Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

من معاني الحج

للحج معان عظيمة، فهو إلى جانب أنه ركن أساسي من أركان الإسلام، وواجب من واجباته، فرض على كل قادر ومستطيع، عاقل بالغ من ذكر أو أنثى، والى جانب أنه آية من آيات الرسالة الإسلامية الخالدة ؛ فإن فيه معنى الاستمرار والخلود، فشريعة الله واحدة، والدين عند الله الإسلام منذ أن خلق الوجود، وشرع من الدين ما يحقق الخير والسعادة للبشر، وعندما رفع سيدنا إبراهيم عليه السلام قواعد البيت، كان يبتهل إلى الله بالدعاء ويقول:

“رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ” [البقرة، 128]، فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وهبه الله العزة والحكمة، ووهبه كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأمره أن ينادي في الناس بالحج يأتوه رجالا وعلى كل ضامر، ومن كل فج عميق، يذكرون الله ورسالاته ويشكرونه على ما رزقهم، وأفاء عليهم من نعم.

وسوف يبقى هذا البيت عامرا بإذن الله، يحج إليه الناس من بقاع الأرض ليتعارفوا ويتذاكروا شؤونهم، ويشهدوا منافع لهم استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام. “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ اَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” [اِبراهيم، 39]،

في الحج معنى آخر كبير فهؤلاء الحجيج الذين يهرعون من أقاصي الأرض وكلهم شوق وحنين إلى تلك البقاع الطاهرة التي بارك الله حولها، غير ناظرين إلى ما قد يعترض طريقهم من صعاب، ولا حافلين بما قد يصادفهم من عقبات، وعورة الطريق ومخاوفه، ولا يفكرون في جهد يبذلونه أو مشقة يتعرضون لها، إنما هم في الواقع يجاهدون في سبيل الله وقد سمى رسول الله الحج بأنه من أنواع الجهاد بدليل قول السيدة عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها أنها قالت: قلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ! عَلَى النساءِ جِهادٌ؟ قالَ: “نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ[1].

ثم إن الحج بمثابة مؤتمر إسلامي على أرفع المستويات، يحضره المسلمون القادرون من جميع بقاع الأرض في مساواة وإخاء وتعاون، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، كلهم عباد الرحمان يتطلعون إلى رحمته وعفوه ورضاه تجمعت قلوبهم على الخير والعمل من أجله، من أجل مصلحة الأفراد ومن أجل مصلحة المسلمين عامة، وليس هناك أي شك من أن هذه القلوب التي توجهت إلى مؤتمر الحج هي في القمة من الإيمان، فالمسلمون يجتمعون فيه في من مشارق الأرض ومغاربه، ويلتقون وليس في القلوب إلا الطاعة الخالصة والرغبة الصادقة في عفو الله ورحمته فهو اجتماع ليس فيه تنافس على دنيا، أو تزاحم على باطل، أو اجتماع على ضلال وبهتان، أو انقياد لشهوة، بل هو اجتماع تزول فيه الفوارق بين الكبير والصغير، والغني والفقير، والرئيس والمرؤوس، وتهون فيه قيمة الدنيا ويصغر ما فيها من جاه ومتاع.

————————————

1. رواهُ أحمدُ وابنُ مَاجَهْ واللفظُ له، وإسنادُهُ صَحيحٌ، وأَصْلُهُ في الصحيحِ.

 

 

 

ميثاق الرابطة، العدد: 817، الخميس 20 ذو القعدة 1418هـ، الموافق لـ: 19 مارس 1998م، السنة الثلاثون.

أرسل تعليق