من لتصحيح مسار المراهقين؟
كثير من الآباء والأمهات والمدرسين لا ينسون أن المراهقين والمراهقات تتحكم فيهم النوادي، والزملاء والشارع، بما فيه من لوحات سلوكية صامتة ومتحركة وجنونية، والفضائيات والألعاب الرقمية وأفلام الكرتون، وعشرات الأفلام التي ترسي ثقافة العري والتبذل، وترفع كل ما هو غربي وغريب، وتخفض-ولو تلميحا- كلما هو عربي وإسلامي إضافة إلى ما يدعى بالفيديو كليب؛ فإنها هموم تفاجئهم بالحقائق حين يكبرون، وتلك هي مصيبة المصائب؛ لأن العقل المقولب من الصعب تغييره إلا من رحم ربي… فهذا الركام الهائل من العبث العابث بعقول المراهقين والمراهقات لا معنى له ولا مغزى فهو يهدد أجيال الأمة بالضمور والأفول مما يطال البواطن والظواهر فيغادرون الفصول الدراسية لينضافوا إلى الأقبية المظلمة ومستنقعات الإجرام والعهر وجيش من المتسولين والمشردين المقهورين.
والله سبحانه وتعالى أحاط علما بهذه الظواهر والبواطن عند المراهقين وغير المراهقين وعند جميع المخلوقات، فإذا طهرت البواطن والظواهر كان أصحابها أهلا لمغفرة الله ورحمته، وإذا ساءت فالله قادر على إخزاء أصحابها في الدنيا ومعذبهم في الآخرة، والقرآن الكريم في آياته الكريمة يبين للناس أجمعين أن الله جل جلاله يعلم ما يخفيه العباد وما يبدونه من سلوك ونيات ورغبات، قال تعالى: “يعلم خائنة الاَعين وما تخفي الصدور” [غافر، 19].
وسلوك المراهقين والمراهقات يتشكل في مرحلتي الصبا والطفولة، إذ فيهما تتشكل المقومات الأساسية للشخصية في المراهقين والمراهقات وإن من وظائف الأسر والمدرسين معا بالغ الأهمية والتأثير الظاهر، فالبيوت المتسمة بالسكينة والهدوء المنتظم فلا تضطرب فيها السلطة الوالدية ولا تغيب حكمة المدرسين، بيوت كهذه ومدارس يستقيم فيها التعامل على النمط الإسلامي الصحيح، فلا شطط ولا انحراف ينتاب المراهقين والمراهقات مع المودة والمحبة والحنان، في جو كهذا يحيا فيه البنون والبنات، حياة هادئة لها القدرة على معالجة الكبت والعقد النفسية لدى المراهقين والمراهقات.
والله تعالى خلق الإنسان وزوده بدوافع تحرك سلوكه نحو عمليات الإشباع التي بها تتحقق المحافظة على الكيان الإسلامي وتجنبه التعرض للهلاك، وهي التي تعمل على استقرار واستمرار وبقاء النوع الإنساني وهذه الدوافع تختلف بتلبيتها في عالم الإنسان عن الحيوان؛ لأنها لا تلبى بطريقة همجية فوضوية ولكنها تلبى بما يناسب المخلوق الإنساني الذي هو مكرم ومفضل على كثير من المخلوقات الأخرى. فالإنسان مميز بالنطق والبيان وبالعقل الذي تدرك به الكليات من الجزئيات، وعلائق الاتصال والانفصال بين الأشياء والعقل جعله الله آلة للفرز بين الخير والشر، والنافع والضار وهو الذي يضبط هوى الناس ليتجه إلى العقل، أضف إلى ذلك خصائص ينفرد بها هذا الإنسان على كل الكائنات.
ومن خلال ما أوضحته تستطيع الأسر والمدارس توجيه المراهقين والمراهقات إلى أهداف سامية، وغايات نبيلة عالية، تشبع الجانب الحسي بما يتواءم مع شرع الله بعيدا عن الشهوة الممجوجة الحرام، المنوطة بالحيوانية البغيضة التي تتقززها النفس السوية المستقيمة مصداقا لقوله تعالى: “إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الاَنهار والذين كفروا يتمتعون وياكلون كما تاكل الاَنعام والنار مثوى لهم” [محمد، 12]، والإسلام من خلال ذلك هو دين الفطرة يلبي الدوافع الاجتماعية والفطرية والنفسية، بلا استحقار ولا استقذار بلا تنفير ولا عزوف، ولكن يهيئ الجو المناسب للمراهقين والمراهقات من غير كبت ولا قمع، وصولا بهم إلى طبيعة الحياة المستقرة بالطرق المشروعة، التي تسعى إلى أمن المجتمع واستقراره وبما يؤدي إلى التقدم والتحضر.
والإسلام نهى عن تعطيل الأسباب التي تترك المراهقين والمراهقات حيارى ومعذبين، وهو لا يرضى لأتباعه أن يتخلصوا من أسبابها المباشرة بالتعطيل أو الاختصاء للدافع الجنسي، لذلك نجد القرآن الكريم يقول: “وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله” [النور، 33].
فالمراهقون والمراهقات الذين حالت قدراتهم المادية عن النكاح المشروع يجب أن يقللوا من حدة وفاعلية الدوافع الجنسية، ويشغلوا أنفسهم بذكر الله ويوجهوا القلوب بالتفكر والتصديق، وعليهم أن يتبعوا حمية معتدلة في الطعام والشراب، وإنشاء أعمال تدفع بهم إلى كل عمل جاد مثمر ومربح، وبذلك ييسر الله ما تتحقق به رغبتهم الفطرية الجائزة والمشروعة.
والآباء والأمهات والمدرسون أمناء وذلك يقتضي منهم أن يكونوا صرحاء مع المراهقين والمراهقات، حتى يتفهموا مشاعرهم وإحساساتهم، ويبتعدوا عن النقد الصارخ والسخرية والتنقيص من شخصياتهم واحترام آرائهم، وأنا لا أشك أن هذه الصفات المحمودة متواجدة في كثير من الآباء والأمهات والمدرسين الأخيار، فهم قادرون بحول الله أن يحيوا معهم ويعيشوا مع مشاعرهم، ويتعرفوا على رغباتهم بما يملكون من حكمة وحنكة وتجربة وصدق الله العظيم إذ يقول: “فاسأل به خبيرا” [الفرقان، 59]، ولمعالجة المثيرات المفاجئة والطارئة على أولياء الأمور والمدرسين إبعاد الوساوس بالعمل على تقوية روح الإيمان بالله عز وجل، ودعم يقين المراهقين والمراهقات، ومصارحتهم بأن الابتلاءات سنة ماضية يجب أن تقابل بالصبر والتحمل والتقرب إلى الله بالعبادة وخالص الدعاء؛ لأنه سبحانه القادر على أن يكشف الضر، ويذهب السوء وهذه هي الوسيلة لإقامة التوازن في مرحلة المراهقة، واتخاذ جميع الأسباب للعلاج التي ينصح بها المختصون من الأطباء، والله هو الشافي قال تعالى: “وإذا مرضت فهو يشفين” [الشعراء، 80].
وتخيلوا مدى قلق المراهقين والمراهقات على ذواتهم إذا أصيبوا بمرض أو تعثروا في دراستهم وإزاء الامتحانات إذا لم يجدوا من يأخذ بأيديهم تضعف منهم العزائم وتثبط الهمم، مما يحول مسار حياتهم في المستقبل وحيدتهم عما يأملونه ويرغبون فيه، وفي هذه الحالة لا شيء أفضل من التوكل على الله، والدفع بهم لبذل قصارى الجهد في البحث والدراسة وتنظيم أوقات المذاكرة، فذلك أفضل عون على التحصيل العلمي وباطراد حتى لا تتراكم الدروس، وهذه أس المشاكل لضياع فرص النجاح أو التفوق، مع ترك مسائل تقدير النتائج وتحديدها إلى الله عز وجل؛ لأن المستقبل بيده سبحانه، وحسبهم ألا ييأسوا من روح الله.
وحذار من كل ما من شأنه يجلب الآلام والشقاء ويدعو إلى الخمول والكسل والدعة والوهن، وفي هذه الحالة لابد من فتح أبواب ونوافذ الأمل أمام المراهقين والمراهقات، لحدوث الراحة والاطمئنان والاستعاذة بالله من شياطين الإنس والجن قال تعالى: “يا أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” [الاَنفال، 27].
إذا أردنا أن نجعل من المراهقين صناع المستقبل يجب أن نعرف أن جسد الأمة مرهق، ويحتاج إلى ضخ دماء شابة فيه ليبعث من جديد مع احترام الخبرة، والمراهقة فترة تحتاج إلى عملية تعيد الثقة للأجيال الصاعدة من المراهقين والمراهقات، وهذه العملية هي المحبة والعناية والمتابعة، كالأغراس لا تستغني عن الشمس والماء.
والله الموفق.
أرسل تعليق