من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث (16)
هذا هو المقال السادس عشر من هذه السلسلة التي عنونتها بـ: “من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث”، وهو صلة للمقال الخامس عشر الذي تضمن عناية المغاربة بحفظ خصوص البخاري لما له في نفوسهم من الجلالة. وقد تعدّدت وجوهُ العناية المغربية بهذا الصحيح تعدّدًا مُشْعِرًا بعظيم الاهتمام، واتّصلتْ عبْر الأَعْصار اتِّصالا مُؤْذِنًا بِثبات الاختيار. ومِن وُجُوه عنايتهم هذه:
1. العناية برواية هذا الصحيح باتّصال السند بمؤلفه. 2. والعناية باختصاره. 3. ثم العناية بشرح معانيه. 4. ثم العناية ببيان غريب ألفاظه. 5. ثم العناية بالتعريف برجاله. 6. ثم العناية بنَسْخِه مع التَّفُنن في تزويقه. 7. ثم العناية بإملائه…..
ولا يتسع هذا المقال لِتَعْداد وجوه العناية هذه، وسَأُفْرد لذلك إن شاء الله تعالى مقالا مستقلا، أتتبع فيه وجوهها. وقصْدي في هذا الجزء من هذه السلسلة الإلماعُ إلى وجهٍ مِن وجوه هذه العناية، له ارتباطٌ بموضوع هذه السلسلة، وهو عنايتُهم بحفظِ الكتاب واسْتِظهاره، مع أنَّ حفظَه شديدٌ، لِتعدُّد أسانيده، وكثرةِ كتبه وأبوابه، –مع ما في جملةٍ وافرة مِن تراجمه مِن الطول– ووفرة متونه، مع تفريق كثيرٍ منها على أبواب الكتاب.
فحِفْظ هذا الصحيح دليلٌ على شدة العناية، وكثرة التَّكرار، واتِّصال الإملاء. ولولا ما ذُكر ما كثُر بهذه الجهة حفَّاظه.
وقد مضى في هذه السلسلة تسعةٌ مِن حفاظ الصحيح، وهم: أبو عمر أحمد بن محمد بن مغيث الطليطلي (459)[1]، وأبو محمد عبد الله بن عيسى الشيباني (530)[2]، وأبو يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي (580)[3]، وأبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر الإشبيلي الطبيب المشهور (595)[4]، وأبو عبد الله محمد بن يخلفتن بن أحمد بن تنفليت التجيبي (621)[5]، وأبو محمد عبد العزيز بن القزاز الأندلسي[6]، ومحمد بن هاشم الهاشمي السرقسطي[7]، وأحمد بن أبي المحاسن يوسف الفاسي (1021)[8]، هذا علاوة على الرجل الذي كان يحفظ صحيح البخاري، فلقب لأجل ذلك بالبخاري، وحكى عنه نازلة ابن عرفة في تفسيره[9].
ونصاب هذا الجزء من الحفاظ ذوي العناية بالبخاري رجلان جليلان، تباعد عصرهما، وجمعهما هذا القطر المغربي، واشتركا في حفظ صحيح البخاري:
فأما أولهما: فهو الإمام علي بن عبد الله ابن قطرال الأنصاري الفاسي القرطبي (651هـ)، فقد نقل المؤرخ أبو العباس التاعرجي عن ابن عبد الملك في الذيل والتكملة أن المترجم لازم أبا عبد الله ابن حفص كثيرا، وعرض عليه عن ظهر قلب من صحيح البخاري ما عرض على الشراط، وابن حميد، وابن زرقون، وابن سعادة الشاطبي…[10].
وأما ثانيهما: فهو السلطان السعدي أبو عبد الله محمد المهدي المعروف بالشيخ (964)، نقل الناصري في “الاستقصاء” من كتاب “المنتقى المقصور” أن السلطان أبا عبد الله الشيخ رحمه الله كان حافظا للقرآن، فهما جدا، حافظا لصحيح البخاري، ويستحضر ما للناس عليه، ويقول في شرح ابن حجر ما صنف في الإسلام مثله، عارفا بالتفسير وغيره، وكان يحفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب[11].
———————————-
1. ذُكر في الجزء الثاني من هذه السلسلة نشر بالعدد 28 من جريدة الميثاق، بتاريخ 17/12/2010.
2. ذُكر في الجزء الثاني من هذه السلسلة، نشر بالعدد 28 من جريدة الميثاق، بتاريخ 17/12/2010.
3. ذُكر في الجزء الثالث من هذه السلسلة، نشر بالعدد 29 من جريدة الميثاق، بتاريخ 24/12/2010.
4. ذُكر في الجزء الثالث من هذه السلسلة، نشر بالعدد 29 من جريدة الميثاق، بتاريخ 24/12/2010.
5. ذُكر في الجزء الثالث من هذه السلسلة، نشر بالعدد 29 من جريدة الميثاق، بتاريخ 24/12/2010.
6. ذُكر في الجزء الرابع من هذه السلسلة، نشر بالعدد 30 من جريدة الميثاق، بتاريخ 31/12/2010.
7. ذُكر في الجزء الثاني من هذه السلسلة، نشر بالعدد 28 من جريدة الميثاق، بتاريخ 17/12/2010.
8. ذُكر في الجزء الخامس عشر من هذه السلسلة، نشر بالعدد 41 من جريدة الميثاق، بتاريخ 25/03/2011.
9. ذُكر في الجزء التاسع من هذه السلسلة، نشر بالعدد 35 من جريدة الميثاق، بتاريخ 04/02/2011.
10. “الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام” للتعارجي 9/129. (المطبعة الملكية الرباط 1974م).
11. “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى” 5/35، (تحقيق جعفر الناصري، ومحمد الناصري. دار الكتاب، الدار البيضاء، 1418. 1997).
يتبع إن شاء الله تعالى
أرسل تعليق