من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث (7)
هذا هو المقال السابع من هذه السلسلة التي عنْونتها بِـ: “من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث”، وأحب في هذا الجزء قبل أن أورد نصاب هذا المقال من حفاظ كتب الحديث من أهل هذه الجهة الغربية أن أمهد لذلك بتمهيد على العادة الجارية في جميع مقالات هذه السلسلة.
إن حفظ كتب الحديث مع النص في التراجم على المحفوظ منها، يُستعان به على معرفة كتب الدّرس، وهذا أمر يمكن نقله إلى جميع الفنون، إذ إن العناية بكتاب من الكتب لا ترقى إلى مستوى حفظه، والتفرغِ لاستظهاره إلا إذا كان ذلك الكتاب له منزلة خاصة به، وكلما كثر حُفاظ كتاب بعينه، كلما دل ذلك على مبلغ حضوره في الجيل الذي بالعناية بذلك الكتاب يُذكرون، وفي الجهة التي إليها ينتمون. وعليه فإن التقاط كتب الحديث التي كانت تُستظهر في جهتنا هذه سيكشف كشفا لا لَبْس فيه عن كتب الحديث التي كان عليها الاعتماد، وإليها الركون، وعليها المعول، كما أن كثرة حفاظ كتاب بعينه يدل على تقدمه على ما سواه، فالعناية بحفاظ كتب الحديث عناية بتاريخ هذا العلم في هذه الجهة.
ولْنرجعْ الآن إلى سياق نِصَاب هذا الجزء من حفاظِ كُتب الحديث من أهل هذه الجهة المغربية.
فمنهم: أبو الحسن أو أبو محمد عليم بن عبد العزيز بن عبد الرحمان العمري (564 أو 565)، قال ابن عبد الملك: “وكان محدثا حافظا لمتون الأحاديث… وكان مثابرا، يستظهر “الموطأ” و “الصحيحين”…”[1].
ومنهم: أبو عمر أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفزي الشاطبي (609)، قال ابن الأبار: “وكان أحد الحفاظ للحديث يَسْرد المتون والأسانيد ظاهرا، لا يخل بحفظ شيء منها”[2]. قلت: فابن عات وإن لم يُنسب إليه حفظ كتاب بعينه إلا أن الحديث النبوي في عهده كان قد دخل إلى المصنفات، وفُرغ من تدوينه في كتب السنة المعروفة من الجوامع، والصحاح، والسنن، والمسانيد ونحوها، فالذي يَحفظ في عصر ابنِ عات متونا بأسانيدها، لا يخل بشيء منها،لابد أن يكون محفوظُه ذلك مما جُمع في كتاب ودُون في مصنف من مصنفات الحديث.
ومنهم: أبو عبد الله محمد بن علي بن العابد الأنصاري الغرناطي (762)، قال ابن الخطيب: “درس الحديث، وحفظ الأحكام لعبد الحق الإشبيلي”[3].
وسأعود في المقال المقبل إن شاء الله إلى هذه القضية عينها، مستعرضا طائفة أخرى من هؤلاء الحفاظ.
يتبع
————————-
1. “الذيل والتكملة” (السفر الخامس/القسم الأول/ 429)
2. “التكملة لكتاب الصلة” 1/90.
3. “الإحاطة في أخبار غرناطة” 2/287.
أرسل تعليق