Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

من الشعر الديني (1/2)

      كثير أولئك الذين عبروا عن معان دينية في أنظامهم وأشعارهم، ويكاد لا يخلو ديوان من ومضات في هذا السبيل. وسأحاول أن أقدم إلى القارئ الكريم ألوانا زاهية من هذا اللون الشعري، ورجائي أن يجد فيه كل لذة ومتعة.

      ورغم ما قد أتصفحه من دواوين، وما أرجع إليه من مظان؛ فإن جولتي ستكون محدودة، وسوف لا أتجاوز ما قاله شعراء المغرب والأندلس، أو على الأصح طائفة منهم.

      ولعل أقدم شاعر مغربي، برز في هذا الميدان، هو أبو سعيد سابق بن عبد الله البربري، وتنسبه بعض الروايات إلى مطماطة، إحدى قبائل زناتة. سكن دمشق وروى عن مكحول، والعلاء بن عبد الرحمان، أخذ عنه الأوزاغي، ومحمد بن يزيد الرهاوي، وسواهما.

      كان عالما أديبا وشاعرا، وكان ومن المقربين لدى الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، يأنس لنصحه، ويحن إلى شعره ووعظه، وكان –رحمه الله- من البكائين، قال الجاحظ: “لو كان شعر صالح بن عبد القدوس، وسابق البربري، مفرقا في أشعار كثيرة، لصارت تلك الأشعار أرفع مما هي عليه بطبقات، ولصار شعرهما نوادر، سائرة في الآفاق”[1].

      روى أبو سليمان الجواليقي قال: دخل سابق البربري على عمر بن عبد العزيز وأنشده:

       بسم الله الـذي أنزلت من عنده السور        والحمـد للـــــه أمــــا بعـد: يــــا عمـــر

      وهي قصيدة مطولة، تنيف أبياتها على الأربعين، كلها حكم ومواعظ، وقد افتتحها بالبسملة والحمدلة، وقال يوصيه وهو أول ما أوصاه به: بالرضى بالقدر..

       إن كنت تعلــم مـــا تأتـــي ومـــــا تـدر        فكـــن حـــذرا قـــد ينــفــــع الحـــــذر

       واصبــر على القدر المجلوب وارض بـه        وإن أتــــاك بمــــا لا تشتهــي القـــدر

       فمــــا صفـــــا لامـــرء عيش يسـر بــه        إلا سيتبــع يومـــــا صفــــــوه الكــــدر

       واستخبر النــــــاس عمــا كنت جاهله        إذا عميت فقـــــد يجلـو العمــى الخبر

      فالرضي بالقدر حجر الزاوية في حياة كل مؤمن، ولعلها أول مسألة شغلت بال المسلمين في عهودهم الأولى، وخصوصا العلماء وأولي الأمر منهم. ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما بقى لي سرور إلا في مواضع القدر. وقيل له: ما تشتهي؟ قال: ما يقضي الله تعالى.

      ويحدثنا شجاع بن الوليد عن أبي سعد الجزري، قال: حدثنا علي بن عثمان النفيلي، قال: حدثنا أبو كامل مولى الغاز، قال: سمعت سابق البربري، ينشد مكحولا وهو في الغزو:

       يـا نفس كل قـابر ومقبــور        ويـهلـــك الـــزور والمــــــزور

      حتى انتهى إلى قوله:

       والبـــر معروف بــه المبـرور        وذو الهوى يسوقـه المقدور

      قال مكحولا: لا.

      ويقول أبو سعيد في القصيدة التي نتحدث عنها، ونحاول أن نعطي فكرة عامة عن مضامينها، وهو ينصحه بالتقوى، وفعل البر:

       قـد يرعوي المــرء يوما بعد هفوته        وتحكم الجاهــــل الأيــــام والغيــر

       إن التقـــى خيــر زاد أنت حاملـــه        والبـــر أفضـــل شيء نالـه البشـر

       وليس ذو علـــم بالتقوى كجاهلـه        ولا البصيــر كأعمى ما لـــه البصـر

      فالتقوى أفضل مكسب للمرء، وخير زاد يستعين به على السفر الطويل الذي ينتظره “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى” [سورة البقرة، الآية: 197].

 

ذ. سعيد أعراب

جريدة الميثاق، العدد 94، فاتح جمادى الثانية 1389هـ الموافق 15 غشت 1969م، السنة السابعة.

—————————

  1.  انظر في التعريف به البحث القيم، الذي نشره رائد الأدب المغربي، أستاذنا  كنون، في مجلة “مجمع اللغة العربية بدمشق” ( عدد44، م I-2).

أرسل تعليق