منطلقان للاجتهاد في المسألة النسائية
المقصود بالمنطلقات هنا جملة الأمور المنهجية والتصورية والمعيارية والتشريعية التي تؤطر كسب المجتهدين في مسألة من المسائل، وكذا الأنساق الإدراكية وما يتفرع عنها من آليات بحثية تتبلور بالإعمال، لإدراك الواقع والاستبصار بجذوره وسيروراته في أفق التحقق بالاجتهاد المتّزن الواقعي الوظيفي، البعيد كل البعد عن الجمود والكزازة من جهة، وعن التسيب وعدم الانضباط من جهة ثانية. وذلك لضمان تأقلم المسائل المجتهد فيها مع التطلبات السياقية المحيطة، وكذا مع احتياجات المجتهد لهم، حتى يكتسي الاجتهاد صبغة الواقعية التي هي شرط أساسي لوظيفية الاجتهاد.
المنطلق الأول: استبطان النسيج التشريعي الفقهي المجتهَد ضمنه باعتباره بنية نسقية عضوية، حية نابضة، تموت وتحيى، تضيق وتتسع، وتنمو وتذوى، وذلك بحسب استيعاب المجتهدين لخصائصها وتمثلهم للعناصر الواقعية التي يتم في إطارها الاجتهاد؛
المنطلق الثاني: الاستبصار بالكليات والمقاصد، وبالمآلات والعواقب، في أفق اكتساب القدرة على القيام بالموازنات تسديدا وتقريبا، وترجيحا وتغليبا، وحين يغيب هذا المنطلق يصبح الاجتهاد مجرّد قرقعة للآليات الاجتهادية في ذهول عن جوهره، كما ألمحنا إليه آنفا، وقد كان غياب هذا المنطلق من أفدح الإصابات التي منيت بها الممارسة الاجتهادية الإسلامية في العصور الأخيرة..
ولم يشذ الاجتهاد في المسألة النسائية عن هذه القاعدة، بحيث يمكن رصد جملة كتابات في هذا المجال، كانت عبارة عن استجابات لتحديات الواقع العيني المشخص، توزعت بين الرفض المبدئي لما استتب من مواضعات حضارية جديدة لم تشذ عنها المسألة النسائية، وبين المجاراة لما استقر محليا عرفيا واستَبطَن في بعض الأحيان ظلما للمرأة عظيما، أو خارجيا تقبّليا من ممارسات وأساليب، كان فيها قدر غير يسير من التعارض مع بعض أصولنا التشريعية وثوابتنا الهوياتية.
إن الاجتهاد في المسألة النسائية يجب أن يتم بمنهجية بنيوية، تستدمج كل ما سلفت إليه الإشارة، وليس بمنهجية تجزيئية، تؤدّي في كثير من الأحيان إلى أحادية عسيرة التجاوز، وتكون لها أحيانا تأثيرات في غاية السلبية، قد تدخل من جرائها أطراف المجتمع الواحد في تشاكس، كان يمكن تجاوزه بالمعالجة الموضوعية البنيوية الدؤوبة.
وقد كان لتبني المملكة المغربية لهذه المقاربة، الأثر الإيجابي المشهود، حيث أسفرت عن مدونة الأسرة التي استدمجت كل ما سلف، ولم تحُلَّ حراما، أو تحَُرِّمْ حلالا، كما نص على ذلك أمير المومنين أيده الله بين يدي ممثلي وممثلات الأمة، والذين أجمعوا عليها باعتبارها صيغة تأسيسية قابلة للاجتهاد المستدام قصد بلورتها وتحسينها.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق