منارات من تاريخ المغرب…(8)
وفي القرن التاسع عشر اتجه الغربيون إلى الميدان الأدبي العربي وترجموا جزءا كبيرا من التراث الأدبي العربي إلى اللغات الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والألمانية. وأصبحت بعض مظاهر أدبهم تتسم بطابع شرقي. فلولا كتاب “ألف ليلة وليلة” وكتاب “كليلة ودمنة” مثلا لما استطاع “أديبو” أن يؤلف قصته المشهورة “روبانصو دو كريزووي“، ولا زاول الشاعر الفرنسي “فولتير” كتابه فن القصة، وللكاتب “ألكسندر ديماس” صاحب الروايات الشهيرة روايته “الفرسان الثلاثة” (Les Trois Mousquetaires).
وقد طبعت القصص العربية كقصة “عنترة” مثلا، وقصص المغامرين والصعاليك في فرنسا وإنكلترا وإيطاليا وإسبانيا بطابعها المتميز.
كما اقتبس الشعراء الإيطاليون والإسبانيون والفرنسيون القافية الشعرية عن الشعراء العرب. وما اسم الرواية OTHELLO لشكسبير إلا تحريفا للإسمين العربيين: عبد الله أو عطا الله.
هكذا أمدت الحضارة العربية الحضارة الأوروبية بشتى مظاهرها فاستفادت كثيرا منها، وبنت على أُسسها حضارة أخرى حار الإدراك الفكري في التعرف على مداها، وقدمت لعلماء العرب ومفكريهم ثمرات يانعة من بضاعتهم السابقة فتذوقوا شَهدها واستلذوا بحلاوتها.
وهكذا دواليك الحضارة تهاجر من بلد إلى بلد ومن شعب إلى شعب –أخْذا وعطاءا– فهي تظل حية قائمة لا تنقرض ولا تندثر، ولكنها تتطور على الدوام وتدور حول الأرض، كالشمس مشرقة وهاجة حاملة مشعل النور لأي بلد ولأي شعب يعيش في ظلام دامس.
وأعظم مثال لذلك ما بسطناه سابقا حيث إن الحضارة العربية قادت مسيرة كافة فنون المعرفة في القرون الوسطى التي كانت تعهدها أوروبا عصور الظلام، بينما هي بالنسبة للعرب والمسلمين عصور النور والارتقاء والبهاء…
يتبع في العدد المقبل…
أرسل تعليق