منارات من تاريخ المغرب..(20)
كانت البيعة قائمة بالمغرب منذ قيام الدولة الإدريسية، حيث بايع أهل زرهون مؤسسها إدريس بن عبد الله الكامل بوليلي سنة 172هـ لبناء دولة المغرب الجديدة على أسس الشريعة الإسلامية. بعد أن كانت موزعة الجغرافية والعقيدة، وليس لها قيادة موحدة ثابتة.
واستمرت بيعة المغاربة للسلاطين والملوك الذين تولوا الحكم على عهد المرابطين والموحدين والمرينين والسعديين والعلويين لتدبير شؤون البلاد، وللدفاع عن حرمة دينها وملتها، والسهر على تطبيق أحكام القرآن والسنة والإجماع ولمقاومة البدع والشعوذة، وحماية القواعد الإسلامية الأساسية من الخرفات والأوهام، وكل ما لم يأت به الله من سلطان، ولمحاربة عوامل الشرك والجهل، وأسباب الفتن والأهوال، ولإنفاق جبايات خزينة الدولة في إصلاح البلاد وشؤون العباد، ولإنصاف المظلومين وحمايتهم من كل جور وتعسف واعتداء على مصالحهم وممتلكاتهم، متعهدين بطاعة الإمام في السراء والضراء، والوقوف وراءه صفا متماسكا كالبنيان المرصوص ضد كل فتنة موقدة، وخروج عن الشريعة القائمة، وتبعات الصرعات على الحكم والسلطان، والصمود أخيرا سدا منيعا في وجه الأطماع الخارجية للاستحواذ على خيرات الأرض المغربية بعد إضعافها واحتلالها. فكانت البيعة للملوك ضامنة لحقوق المبايعين، ولكنها موجبة لهم للقيام بالواجبات والالتزامات المنوطة بهم.
وكان المبايعون عبر تاريخ المغرب هم العلماء والأشراف والأعيان والوجهاء والحكام وذووا الأمر والنهي والتجار وأمناء الحرف، وشيوخ القبائل والزوايا، وقواد الجيوش وغيرهم..
ويحرر الكتاب بأسلوبهم الراقي عقد بيعة السلاطين الذين يتبوؤون العرش المغربي خلفا لآبائهم كأولياء للعهد أو لأشقائهم أو لأعمامهم، ويشهد على ما كتبه القضاة والعدول الذين يذيلونها بإمضاءاتهم. وإذا كانت البلاد تجتاز ظروفا عصيبة؛ فإن البيعة تكون مصحوبة بقيود وشروط، يكون السلطان ملتزما باحترامها.
ولما تنقطع رابطة البيعة بين الملك والشعب، لإخلاله ببنود البيعة وعدم احترامها، يبايع ملك آخر خلفا له، كما وقع خلال الحقب الماضية من تاريخ المغرب.
وإذا أخل المبايعون بالتزاماتهم وتنكروا لوعودهم، كرفضهم لأداء الزكاة، والجبايات أو للتجنيد لحماية الثغور ضد هجوم الأعداء، أو تمردهم ضد الولاة الشرعيين؛ فإن السلطان يقوم في هذه الحالة بتأديب المتنطعين العاصين وإجبارهم على الوفاء والولاء، والتشبث بعهودهم التي قدموها عند أداء بيعتهم..
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق