مفهوم السداد
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم مخاطبا عباده المؤمنين: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” [سورة الاَحزاب، الآيتان: 69-70]، ويقول سبحانه: “فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا” [سورة النساء، الآية: 9].
هاتان الآيتان الكريمتان اشتملتا على مصطلح قرآني لم يرد في غيرهما من آيات الذكر الحكيم، وهو مصطلح السداد.
وفي اللغة: السداد والسدد الاستقامة. والسَّدادُ: إصابةُ القَصد.
والسَّدادُ: مصدر، ومنه السَّديد، قال: أُعلِّمُه الرِّمايةَ كُلَّ يَومٍ… فلما استَدَّ ساعدُه رَماني أي لما تَشَدَّد لقصْد الرَّمِي، ومن قال: اشتَدَّ يقول: قَوِيَ ساعدُه.
والفعل اللازم من سَدَّ انسَدَّ.
وقال ابن فارس بعد أن ذكر أصل المادة: “ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة كأنّه لا ثُلْمة فيه”
بناء على ما سبق فإن السداد بالمعنى العام هو التوفيق للصواب وإصابة القصد في القول والعمل.
ومن بين ما فسر به السداد في الآيتين، نجد قول الطبري: و”السديد” من الكلام، هو العدل والصواب.
وقال القرطبي في تفسيره لآية الأحزاب، موردا مختلف الأقوال في معنى السداد: قوله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً” [سورة الاَحزاب، الآية: 69] أي قصدا وحقا. وقال ابن عباس: أي صوابا… وقال عكرمة وابن عباس أيضا: القول السداد لا إله إلا الله. وقيل: هو الذي يوافق ظاهره باطنه. وقيل: هو ما أريد به وجه الله دون غيره. وقيل: هو الإصلاح بين المتشاجرين. وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض. والقول السداد يعم الخيرات، فهو عام في جميع ما ذكر وغير ذلك”.
غير أننا إذا تأملنا نصي ورود المصطلح نلاحظ أنهما يشتركان في أمور هي:
– ارتباط السداد بالقول في الآيتين معا؛
– الدعوة إلى القول السديد مسبوقة في النصين بالدعوة إلى التقوى؛
– أن المأمور بالسداد هم المؤمنون لا غيرهم.
نستنتج مما سبق أهمية القول السديد من جهة، وصعوبة الالتزام به من جهة ثانية:
ذلك أن ربط الدعوة إليه بالدعوة إلى تقوى الله يوحي بأنه أمر يحبه الله تعالى ويرضاه لعباده المتقين ويرغبهم فيه، كما يوحي بأنه لايلتزم به في أقواله إلا من كان يخاف الله ويتقيه، ويحرص على طاعته.
ولا شك أن قيمة الكلمة في الإسلام معروفة، ومكانتها واضحة، فهي تعتبر أمانة ومسؤولية، كما يمكنها أن ترفع صاحبها عند الله أو تكبه على وجهه في نار جهنم.
نظرا لكل ذلك كان جزاء من يقول قولا سديدا هو صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب والفوز الناتج عن طاعة الله ورسوله، وذلك ما نجده في قوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” سورة [سورة الاَحزاب، الآيتان: 69-70].
فما أعظمه من جزاء. وبحسب المؤمن به جزاء في دنياه وآخرته.
-
ما شاء الله توثيق ممتاز
أعدكم سأكون معكم في كل عدد
وإن كان هناك خطأ يستحق التعليق سأكون السباق إليه..
التعليقات