مفهوم الحوار في القرآن الكريم
اشتقاق لفظ (الحوار) في اللغة من مادة (ح و ر)، التي تحمل من الدلالات: معنى التغير وعدم الثبات: (كل شيء تغير من حال إلى حال فقد حار) ، ومعنى التردد والرجوع: ومنه الحَور: الرجوع، ومعنى النطق والكلام ومراجعته والجواب والتجاوب: ومنه قولهم: (ما أحار بكلمة) أي ما نطق، والمحاورة: الجواب ومراجعة والتحاور: التجاوب. والملاحظ أن المعاجم القديمة لا تذكر لفظ (الحوار) المتداول اليوم، ولكنها تستعمل لفظ (المحاورة) وهو مصدر الفعل المتعدي (حاور) المفيد لمعنى المشاركة.
وفي القرآن الكريم لم يرد لفظ الحوار، وإنما ورد الفعل (حاور) والمصدر (التحاور) ثلاث مرات، وذلك في الآيات الكريمات:
– “… وَكَانَ لَهُ ثمرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً” [سورة الكهف، الآية: 34].
– “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً” [سورة الكهف، الآية: 36].
– “قدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” [ سورة المجادلة، الآية: 1].
وقد جاء فعل التحاور أو المحاورة في سياقين مختلفين:
• سياق مكي، في سورة الكهف، ضمن قصة الرجلين اللذين ضربا مثلا للناس: رجل مؤمن يرى أن نعم الحياة هي من فضل الله عز وجل، وهي بذلك تستحق الشكر المتمثل في إخلاص العبودية له وحده، ورجل كافر أو مشرك، مغتر بثرائه منكر لفضل الله عليه في هذه النعمة.
“…وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً، لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا…”[سورة الكهف، الآية:37].
والحوار الدائر في هذا السياق يتشكل طرفاه من عنصرين مختلفين إلى حد التناقض: المؤمن والكافر، أما موضوع الحوار فهو مثل ضرب للناس عن تصورين مختلفين عن الحياة وقيمها الثابتة والمتغيرة، أو الزائلة والباقية، وذلك بقصد تصحيح فهوم وتصورات ومعتقدات خاطئة منشؤها إنكار البعث، والإيمانُ ببقاء القيم المادية وثباتها.
• أما في السياق المدني، فالمقام يختلف، والآية فيه مرتبطة بسبب نزول معروف وهو شكوى خولة بنت ثعلبة من ظهار زوجها،. وطرفا الحوار في هذا السياق: النبي صلى الله عليه وسلم، والمرأة المشتكية، وموضوع الحوار مرتبط بالعلاقات الزوجية، وتحديدا بالشكوى من الظهار وهو صورة من صور التخلي عن المرأة، كان الرجال يلجئون إليه في حال الخصام أو بسبب كبر سن المرأة، كما هو الحال بالنسبة للمشتكية هنا.
إن القرآن يقدم لنا في هذا السياق صورة مختلفة من صور الحوار، فهو حوار داخلي، أي داخل دائرة الفئة المؤمنة، والمتحاوران ليسا على طرفي نقيض، وموضوع الحوار هنا مرتبط بالتشريعات والأحكام، وهذا يعني أن كل الموضوعات التي يؤطرها الإسلام من خلال القرآن الكريم هي خاضعة للحوار، العقدية منها والتشريعية، وهذه الحقيقة تؤكدها وقائع الحوار التي تتجسد في سياقات مفهومه، والتي من خلالها نلمس موقعا مهما لمفهوم الحوار داخل النسق المفهومي القرآني، تعكسه مجموعة من الخصائص نعرضها في العدد المقبل بإذن الله.
-
بما أنني تلميذة أفادني النص كثيرا وشكرا لكم
-
أشكركم جزيل الشكر على اهتمامكم بهذا الموضوع الهام في حياة المسلمين، وخاصة في تحاورهم مع الآخر.
-
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أثار انتباهي الموضوع الذي تناولته صاحبة الفضيلة الأستاذة الدكتورة فريدة زمرد حول مفهوم الحوار في القرآن الكريم والذي تناول الجانب اللغوي والمعجَمي، مع أن الحوار هو نقطة الانطلاق التي يتحرك من خلالها المتحاورون، فيغذون أفكارهم ويكيفون مدى صلاحيتهم للتأثير عن طريق تبادل المعلومات والحقائق بما يقوي تصرفات الكل ويلهم عبقريتهم، ويشحن طاقاتهم الخلاقة، والتحاور والنقاش الجاد، بمثابة الدم بالنسبة للكائن الحي وهو علاج جماعي، يشفي بجرعاته الأمة كلها، أو أغلبيتها العظمى إذ لابد لهم من التحاور هذا الحوار أو التحاور هو الذي يحرك الماء الآسن، ويحرس الجهود المبذولة المختلفة، حتى لا تنحرف إلى ما يشبه الخيانة أو التقاعس.
وبالمناقشة والترجيح واستعراض الأدلة، مع الاعتراضات الواردة على بعضها هو ما ذهب إليه أصحاب المذاهب في الفقه الإسلامي.
والحوار بما هو أصلح وأنفع وأعقل، يصعد بأهله إلى ذروة الفضل، والإسلام علم أتباعه كيف يختلفون وكيف يتحاورون، ولقنهم الأصول التي عليها يجتمعون، والاختلافات بين المتحاورين هي بمثابة أنهار متفاوتة في الحجم، والطول والعرض والعمق، ولكنها في النهاية تنبع من الإسلام تروي الأرض العطشى لتنبت النبت الذي يقيم العدل والقسط بين الناس، وبالمحاورة نقف على عين الصواب والاتفاق، والرجوع من الخطأ إلى الحق والصواب اقتداء بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرجع إلى سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه في المرأة الحامل، وقوله "لولا معاد هلك عمر"، وكذلك لما قال الإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه لسيدنا عمر في المرأة التي وضعت لستة أشهر،"ليس ذلك لك" حينما هم برجمها حيث نبهه بقول الله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" [سورة البقرة: الآية: 233]، وقوله سبحانه: "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" [سورة الاحقاف، الآية: 15]، فخلا عنهما سيدنا عمر رضي الله عنه.
وبالحوار تتلاقح الجهود وتتواصل وتتكامل بتعاونها في استخدام الكلمة استخداما أمينا، يصاحبه جمال التعبير والمنطق السليم، وأخيرا أجدد شكري للأستاذة المحترمة، وأرجو من الله سبحانه أن يكلل مجهودات الجميع بالتوفيق والسداد والنجاح. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. -
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وبارك وسلم على نبيه االمصطفى الكريم محمد وآله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدينأجدد أخلص وأصدق التحيات الإسلامية المباركة الطيبة لأختنا في الله: الدكتورة المقتدرة سيدتي فريدة زمرد، وأشكرها جزيل الشكرعلى ردها العلمي بلطف جميل، وعلى اتساع صدرها، ورحابة فؤادها، للحوار الهادف البناء. وكذلك يكون العلماء، لا يـأنفون، ولا يغضبون، ولا يستهينون بآراء غيرهم، ولا يدعون الكمال، لعلمهم أن الكمال لله وحده. كما أنهم في الوقت نفسه لا يطلقون ألسنتهم على عوانها، وحسب أهوائهم، بل يقيدون ذلك بما تفرضه عليهم مسؤوليتهم العلمية، ومراتبهم السامية، وبأهداف العلم المثلى ولا يهرفون بما لا يعرفون.
أستاذتنا الفاضلة أستسمحك عن تعليق السابق؛ لأني حكمت به على ما قرأت، ولذك قلت ما قلت، ولا أظنه مخالفا للهدف الذي هو دعوة الباحثين، جميعا، للتثبت والتريث، واستقصاء البحث، قبل إصدار الأحكام، وخاصة في المنشورات، التي لم تعد، إذا نشرت، ملكا لهم، كما لا يمكن لهم استدرا هفواتهم، بعد النشر بسهولة.
وأود قي الختام، أختي العزيزة سيدتي الدكترة فريدة، أن أشير إلى قضية مهمة، وهي أن أي مصطلح علمي في اللغة العربية، لا ينفك أبدا عن أصله اللغوي، بما في ذلك الحوارالذي يعني في أصله اللغوي تبادل الكلام، بغض النظر عما يمكن أن تحمله لهذا المطلح من أبعاد دلالية، فهي نهاية المطاف، لا تخرج عن نطاقها اللغوي. فلنتأمل ذلك.قشكر الله لأستاذتنا الفاضلة، مرة أخرى سعيها العلمي الحثيث، واستعدادها للحوار المفيد، ومعذرة عن هذا التطاول.
والسلام عليكم ورحمة الله . -
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر لك أخي الدكتور أحمد بن المبارك قراءتك للموضوع وملاحظاتك، وأود أن أوضح أمرين:
الأول: أن الموضوع الذي نشر هو مختصر من بحث موسع، ولعلني أخللت بالمقصود حين اجتزأت منه هذه الفقرات، ومما ذكرته في البحث الأصلي: (اشتقاق لفظ (الحوار) في اللغة من مادة (ح و ر)، وللمادة في المعاجم صيغ متعددة: منها الصيغ الفعلية: (حار) و(حاور) و(أحار) و(استحار) و(تحاور)، ومنها الصيغ الاسمية : (الحَوار) و(المحاورة) و(الحوْر) و(التحاور) و(الحِوار)…الثاني: أنني قصدت بقولي: إن المعاجم القديمة لم تستعمل لفظ الحوار بالمعنى المتداول اليوم، استعمالها للفظ بالمعنى الاصطلاحي المعروف اليوم، صحيح أننا نجد لفظ حَوار وحِوار، بفتح الحاء وكسرها، ولكن في سياق ذكر مشتقات المادة، وبمعان لغوية محضة. وقصدت بالمعاجم القديمة: المعاجم اللغوية والاصطلاحية؛ لأن بعض المعاجم الاصطلاحية ككشاف اصطلاحات الفنون والتعريفات لا يرد فيها لفظ الحوار.
وأود أن أؤكد لك دكتور أحمد بن المبارك أنني لا أرجع، ولا أعتمد على المعاجم المعاصرة بل المراجع الحديثة لضبط الدلالة اللغوية للألفاظ، ولا أنصح طلبتي بذلك، ولا أدعي ـ في الآن ذاته ـ الإحاطة بكل المعاجم القديمة، فهذا أمر لا يسلم الإنسان، إن لم يكن بسبب النقص الكامن فيه، فبسبب ضياع العديد من مصادر التراث… ومن المصادر التي اعتمدتها في هذه الدراسة : العين والقاموس والصحاح ولسان العرب ومقاييس اللغة ومفردات الراغب …..
شكرا لك دكتور بن المبارك وشكرا لكل القراء الأعزاء على ملاحظاتهم، وأرجو أن تكون هذه النافذة نافذة حوار علمي مثمر نصحح من خلالها الأخطاء ونقوم الفهوم. ونؤكد على الثوابت ونرسخ المبادئ.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
فريدة زمرد -
إنني اعتبر البشرية كلها تعيش اليوم أزمة حوار حقيقي وأتصور أن كثيرا من المشاكل و الصدامات الدامية التي تدفع البشرية ثمنها كان ممكنا أن تتجنب أصلاً أو يخفف أثرها أو تقل سلبياتها لو لجأ إلى الحوار واستنفذت أغراضه ووسائله.
-
استدراك هام:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
تحية إسلامية مباركة طيبة لأختنا الفاضلة الدكتوة فريدة زمرد،
أمابعد:
فيشرفني أولا، أن أحث جميع الإخوة الباحثين، ولاسيما في العلوم الإسلامية، وما يرتبط بها من علوم الآلة، على التثبت والتأكد، وعمق البحث والتدقيق والتخقيق، قبل إصدار الأحكام، التي قد يتخذها المبتدئون، والذين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتنقيب، مراجعَ معتبرة، ويستشهدون بها، من غير مراجعة.
ثانيا: ومن عدم التثبت والتأكد قبل إصدار الحكم، ما قررته الأخت الفاضلة الدكتورة فريدة زمرد، بقولها الصريح: "والملاحظ أن المعاجم اللغوية القديمة لا تذكر لفظ (الحوار) المتداول اليوم…". ولست أدري ماذا تعني الدكتور بالمعاجم اللغوية القديمة، التي رجعت إليها، ولم تجد فيها مطلبها مع العلم أن الذي يجب الرجوع إليه، وخاصة في الشريعة واللغة، لإصدارالأحكام، وتقديم المعارف، هو المصادر المعتبرة، وليس المراجع، كيفما اتفق. وعليه: أذكر الأخت الفاضلة بما ورد في بعض المصادر اللغوية الكبرى في قيمتها العلمية، وفي كونهاالملجأ الأول لأهل العلم:
1- ورد في صحاح الجوهري، المسمى: "تاج اللغة وصحاح العربية"، ما يلي: "المحاورة المجاوبة. والتحاور: التجاوب. ويقال: كلمته فما أحار إلي جوابا، وما رجع إلي حويرا، ولا حويرة، ولا محورة،ولا حَِوارا. (بفتح الحاء وكسرها). أي ما رد جوابا."2- ورد في تاج العروس في شرح القاموس: "الحوير كأمير والحوار بالفتح، ويكسر… كلمته فما رجع إلي حِوارا، وحَوارا، ومحاورة وحويرا، ومحورة. وإنه لضعيف الحوار، أي المحورة.
3- في لسان العرب: "… وكلمته فما رجع إلي حَِوارا. سمعت حويرهما، وحَِوارهما.".
4- وردفي مجل اللغة لابن فارس: "وكلمته فما رجع إلي حَوارا ومحوارة".
نكتفي بهذا المقدار، حتى لا نطيل. وأرجو من أستاذتنا الفاضلة أن تعيد صياغة الفهوم اللغوي الذي قدمته، وأن تستدرك مافاتها، وهذا واجب علمي، واستسمحها على هذا الاستدراك.
فشكر الله لها سعيها.
والله من وراء القصد. -
بسم الله
الأخت الفاضلة زادك الله من فضله
شكر الله تعالى وتبارك لك هذه الكلمات الطيبات
وهي على وجازتها وفت بالمراد
إنا لننتظر الجزء الثاني على شوق
سيري في نفحنا بهذه القطرات السانيات
دام لك التوفيق
واسلمي لأخيك الذي يقدرك اجتهادك المشهود في باب المصطلح
سعيد ساجد الكرواني -
بارك الله فيكم وحفظكم وأثابكم خير الثواب.
التعليقات