أساليب الحوار في القرآن

نستطيع من خلال النظر في الحوارات الكثيرة التي جاءت في القرآن الكريم أن نلحظ أنواعا من الأساليب المعتمدة في الحوار، وهي أساليب تتدرج من اللين واللطف، إلى الغضب والتأفف إلى الشدة والتعنيف:

أسلوب القول اللين

نستنبط هذا الأسلوب من ذلك التوجيه الرباني لموسى وهارون باستعمال أسلوب اللين في دعوة فرعون: “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى. قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى” [سورة طه: الآيتان:42 – 45].

أسلوب التأفف

نجد صورة لحوار التأفف في قصة إبراهيم عليه السلام، حين استنفد كل وسائل تسفيه عقيدة قومه الشركية، فختم إحدى هذه الحوارات بقوله: “أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” [سورة الاَنبياء: الآية: 66]، وهو يحمل إلى جانب التأفف الاستنكار من ضيق تفكير قومه وبلادة حسهم وغبش تصورهم. كما نجد صورة أخرى لحوار التأفف في قصة الرجل العاق مع أبويه: “وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ أمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ” [سورة الاَحقاف: الآية: 16] وهذا يعني أن التأفف والضجر قد يحدث متى توفرت دواعيه الذاتية والموضوعية، ولا يتعلق بمدى صحة قول المحاور.

أسلوب التهديد والوعيد

وهو كثير الورود في سياق قصص الأنبياء مع أقوامهم، ومن ذلك ما جاء في قصة شعيب من تهديد بالطرد: “قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اَسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ أمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ” [سورة الاَعراف: الآية: 87]

وفي قصة إبراهيم يأتي التهديد بالرجم من قبل والده، بعد حوار طويل معه: “قَالَ أَرَاغِبٌ اَنت عَنْ الِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا”  [سورة مريم: الآية: 45].

ويأتي التهديد بالسجن، في حوار فرعون مع موسى عليه السلام في قوله: “قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ  قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ” [سورة الشعراء: الآيتان: 28-29]

ويأتي التهديد في حوار فرعون مع السحرة أيضا، وهو هنا تهديد بقطع الأطراف والصلب: “قَالَ أمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ اذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى” [سورة طه، الآية:70].

أسلوب التعنيف (التحريق والإخراج)

وهذا الأسلوب عادة ما يكون أسلوب المحاور الأضعف حجة، وكثيرا ما يرد في حوارات الأنبياء مع أقوامهم، حيث يكون رد هؤلاء على دعوات الأنبياء بالعنف، كما في قصة إبراهيم عليه السلام: “قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِألِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ  قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ.  فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ.  ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ.  قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ  أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ألِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ”[سورة الاَنبياء، الآيات: 61 – 67]

لكن أسلوب التعنيف في الحوار لا يكون من الفئة الباغية الجاحدة فقط كما هو حال أقوام الأنبياء، بل قد يصدر عن المؤمن حين يكون داعي التعنيف قويا وهو ما وقع في حوار موسى عليه السلام مع أخيه هارون حين رجع من ميقات ربه ـ وكان قد أخلف فيهم هارون ـ فوجدهم وقد غيروا دينهم وعبدوا العجل، ولندع الآيات تصور لنا هذا الحوار في سورة الاَعراف: “وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بيسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى اللاَوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اَسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الاَعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.  قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [سورة الاَعراف: 149 -150]

وفي سورة طه: “قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي،  قال يبنؤمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسراءيل وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي” [سورة طه، الآية: 91 – 93].