مفهوم التنمية في الإسلام
– مفهوم التنمية لغة واصطلاحا
لفظ التنمية مشتق من نمى بمعنى الزيادة، يقال نمى ينمي نميا ونميا ونماء، زاد وكثر، ومنه نميت النار تنمية إذا ألقيت عليها حطبا وذكيتها به[1].
وأما لفظ النمو مشتق من نما نميا ونماء، ويعني أيضا الزيادة ومنه نما الشيء نموا زاد وكثر، يقال: نما الزرع ونما الولد، ونما المال[2].
فالنامي ما يزيد، والنماء يعني أن الشيء يزيد حالا بعد حال من نفسه لا بإضافة إليه. [ولا يقال لمن أصاب ميراثا، أو أعطي عطية أنه قد نما ماله، وإنما يقال: نما ماله: إذا زاد في نفسه][3]. والنمو ازدياد حجم الجسم بما ينضم إليه ويداخله[4]…
ويطلق مصطلح النماء عند الفقهاء على نفس الشيء الزائد من العين كالزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات ونحوها[5].
ونشير إلى أن فقهاء المالكية يقسمون النماء في اصطلاحهم إلى ثلاثة أقسام: ربح وغلة وفائدة فكل ربح نماء، وكل غلة نماء، وكل فائدة نماء، وليس كل نماء ربحا أو فائدة بالتحديد أو غلة بالتقييد[6].
وأما لفظ التنمية فيقصد به في اللغة تبليغ الكلام على وجه الإفساد والنميمة، يقال نمَّيت الحديث أنميه تنمية، وإذا خفف الفعل يراد به رفع الحديث على وجه الإصلاح يقال: نميته[7].
واستعمل مصطلح التنمية عند الفقهاء بمعنى تكثير المال بالتجارة، قال القاضي عبد الوهاب متحدثا عن الرشد: “… وذلك في الغلام بأن يعرف منه إصلاح ماله وحفظه، وتأتيه لتنميته والتحرز من تبديده وإضاعته”[8]. وقال ابن رشد: “… وأما القياس الذي اعتمده الجمهور فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية”[9]. وقال النووي: “وإنما يعتبر الحول للتمكن من تنمية المال”[10].
وقد جمع هذا المعنى ابن خلدون بقوله: “التجارة محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء”[11].
وقد يعبر الفقهاء عن لفظ التنمية بلفظ التثمير، [يقال: ثمر ماله نماه، وثمر الله مالك أي كثره، وأثمر الرجل كثر ماله]. ومنه قول الطبري رحمه الله: “وأصل الزكاة نماء المال، وتثميره وزيادته”[12].
وقد يستعار لفظ التنمية في المجال الأخلاقي، ومنه قول أحمد بن علي الدلجي في كتابه “الفلاكة والمفلوكون”: “… فوجود المجد والسيادة الكسبية لا تصير دفعة، وإنما تكون بالتدريج والترقي ومكابدة تنميتها”.[13]. وصنف ابن الحاج العبدري (تـ737هـ) كتابا سماه “المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على كثير من البدع المحدثة والعوائد المنتحلة”[14].
ويتحصل مما تقدم أن لفظ التنمية يدل على كل تشغيل للمال قصد تكثيره وزيادته، مع مراعاة الأحكام الشرعية في تنميته، وهذا البعد الأخلاقي للكلمة يباين مدلولها في المفهوم الغربي. حيث يتم تضخيم الأبعاد الكمية والتركيز على مؤشرات اقتصادية تعتبر دالة على حدوث التنمية ولو غيبت الغايات الإنسانية والأخلاقية[15].
ومما يؤكد البعد الأخلاقي للكلمة أنها تشترك مع بعض الألفاظ في هذا المعنى كلفظ الزكاة، وهو مأخوذ من الزكاء وهو النماء، ومنه تزكية القاضي الشهود؛ لأنه ينمي حالهم ويرفعهم من حال الخطأ إلى حال العدالة[16].
————————————————–
1. ابن منظور، لسان العرب، ج: 6، ص: 724.
2. المعجم الوسيط ج:2، ص:956.
3. الفروق في اللغة، أبو هلال العسكري، ص: 95. الكليات، أبو البقاء الكفوي، ص: 353.
4. التعريفات، الجرجاني ص: 108. التوقيف على مهمات التعاريف، عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: محمد رضوان الدية، ص: 711.
5. معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، نزيد حماد، ص: 278.
6. البناني على الزرقاني 2/146.
7. لسان العرب لابن منظور، ج: 6، ص: 725.
8. التلقين، القاضي عبد الوهاب، ص: 125.
9. بدية المجتهد، ابن رشد، ج: 1، ص: 185.
10. روضة الطالبين، النووي، ج: 2، ص: 282. وانظر أيضا بدائع الصنائع للكاساني، ج: 6، ص: 88. والشرح الصغير للدرديري، ج: 3، ص: 186. وحاشية الصاوي، ج:3 ص: 495.
11. المقدمة، ابن خلدون، ص: 313.
12. تفسير الطبري، ج: 1، ص: 257.
13. الفلاكة والمفلوكون، ص: 59.
14. معجم المؤلفين، محمد رضا كحالة، ج: 11، ص: 284.
15. حوار الحضارات، روجي غارودي، ترجمة عادل العوا، ص: 44.
16. المقدمات الممهدات، ج: 1، ص: 201.
أرسل تعليق