مفهوم الاستدلال الحجاجي.. (4)
2. الاستدلال بين البرهان والحجاج
إن الفعل البرهاني على اختلاف وجوهه لا يحصل إلا يقينا محدودا، “فإن هو أخذ باليقين في المقدمات لم يحصل إلا على يقين هو عبارة عن تحكم محض لا يقل عن تحكم ما لا يقين فيه، وإن هو أخذ بالضرورة في القواعد الاستدلالية لم تثمر عنده إلا يقينا هو عبارة عن تعلق بالخارج لا يقل عن تعلق الرأي المشهور بأهله وسياقه، وإن هو أخذ بالمواضعة في هذه القواعد لم يجد بين يديه إلا يقينا هو عبارة عن أمر اعتباري لا يقل عن اعتبارية ما يكتفى فيه بالتخمين“[1].
والقول الجامع في تحقيق معنى البرهان أنه ترتب قول مجهول على قول أو أقوال معلومة على مقتضى صور هذه الأقوال وحدها، أو هو نص استدلالي حسابي إلزامي أحادي الدلالة (تواطئي: Univoque) يتأسس على قوانين منطقية صورية صحيحة، و“تكون الصورة المنطقية صحيحة، إذا كانت مسلمة في نسق منطقي أو كانت مبرهنة فيه، ويتم البرهان عليها بخطوات معدودة ومحسوبة بالاعتماد على مسلمة من مسلمات النسق أو على مبرهنة سبق إثباتها داخل النسق وعلى قاعدة (أو قواعد) النسق البرهانية“[2].
من خلال هذه التحديدات يتحصل لدينا أن الاستدلال البرهاني يتصف بالخصائص التالية[3].
أ. التواطؤ: ومقتضاه أن الاستدلال البرهاني يتوسل بألفاظ تدل على معانيها بوجه واحد وخال من اللبس والاحتمال، كما يتوسل بقواعد ذات إفادة إجرائية واحدة؛
ب. الصورية: ومقتضاها أن العناصر المكونة للبرهان هي عبارة عن صيغ وأشكال لا علاقة لها بالمضامين أو هي عبارة عن صور فارغة من الحمولات الدلالية؛
ج. القطعية: بمعنى أن النتائج الحاصلة منه تبقى ملزمة للجميع ولا تستدعي التردد والاحتمال؛ لأن مبناها على التواطؤ والصورية القاطعي لأسباب الاختلاف والظن؛
د. الحسابية: بمعنى أن “في الإمكان إقصاء المستدل الإنساني إقصاء كليا واستبدال آلة مجردة به تقوم بحساب المتوالية الاستدلالية البرهانية؛ أي من صفة البرهان إمكان التحويل إلى توابع رياضية صرفة“[4]، وهكذا يتضح أن البرهان بنية استدلالية مستقلة تقطع الصلة بالمجال التداولي وإن كانت منبثقة عنه..
أما شواهد الاستدلال البرهاني النصية فتتجلى بشكل متكامل وواضح في المنطق الصوري والخطاب الرياضي..
——————————————
1. فقه الفلسفة، 1، الفلسفة والترجمة، د طه عبد الرحمان، ص: 192، ط1، 1995، المركز الثقافي العربي، البيضاء.
2. المنهجية الأصولية، حمو النقاري، ص: 158.
3. مسألة الدليل، طه عبد الرحمان، ص: 98/99 ، مجلة المناظرة، عدد3.
4. في أصول الحوار، طه عبد الرحمان، ص: 57.
أرسل تعليق