مفهوم الإنسان في القرآن2/2
صفات الإنسان المكتسبة في القرآن
– من هذه الصفات: الكفر، وكفر الإنسان في القرآن نوعان: الكفر المقابل للشكر، أو كفران النعمة كما يدل عليه قوله -عز وجل-: “وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الاِِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ اَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الاِنسَانَ كَفُورٌ” [الشورى: 45]، وقوله تعالى: “وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمُ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الاِنْسَانُ كَفُوراً” [الاِسراء: 67]، وقد قرن القرآن بين الظلم وهذا النوع من الكفر لأنهما يتقاربان في هذا السياق: “وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الاِِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [ابراهيم: 36].
والنوع الثاني: الكفر المقابل للإيمان، كما في قوله عز إسمه: “وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْءانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً” [الاِسراء: 89]، ومن تجليات هذا الكفر عدم إخلاص العبادة لله وحده وإشراك غيره معه: “وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً اِِنَّ الاِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ” [الزخرف: 14]، وقد بالغ هنا في إظهار فظاعة هذا الكفر حين وصفه بالمبين، وكثيرا ما استعملت في هذه الصفة صيغة المبالغة: “كفّار” و”كفور” للتشنيع على هذا الكفر الذي يقابل به الإنسان نعم ربه عليه.
– ومن هذه الصفات: اليأس والقنوط : التي تدل على انقطاع الرجاء والأمل في الخير، قال الرازي في بيان الفرق بين اليأس والقنوط في قوله عز وجل: “لَا يَسْئمُ الاِِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ” [فصلت: 48]: (اليأس من صفة القلب، وهو أن ينقطع رجاؤه من الخير، والقنوط أن يظهر عليه آثار اليأس فيتضاءل وينكسر).
وقد تقترن صفة اليأس أحيانا بالكفر: “وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ” [هود: 9]، ؛ وأحيانا تأتي صفة اليأس منفردة: “وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الاِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَئا بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئوساً” [الاِسراء: 83]. وكلها ترد في مقابل نعم الله ورحمته التي لا يجدر أن يكون الإنسان معها آيسا من الخير فاقدا للأمل في رحمة الله.
– ومن هذه الصفات : العجلة: “وَيَدْعُ الاِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الاِنسَانُ عَجُولاً” [الاِسراء: 11]: أي ضَجِرا لا صبر له على سرّاء، ولا ضرّاء.
والناظر في صفات الكفر واليأس والقنوط والعجلة، يلحظ أنها تعكس خللا في علاقة الإنسان بربه وخالقه تلك العلاقة التي تتأسس -في التصور القرآني- على مقابلة الإحسان بالإحسان، مقابلة نعمة الخلق بالعبودية، ونعمة الهداية بالإيمان والتصديق، ولكن الإنسان غالبا ما يحيد عن هذا القانون فيحتمل بذلك وزر هذه النعوت القبيحة.
– ومنها صفة الظلم، وقد اقترنت بالجهل في آية الأمانة: “اِنَّا عَرَضْنَا الاََمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالاََرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا اللاِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً” [الاحزاب: 72]، والظلم هنا سببه الجهل بحقوق هذه الأمانة. واقترنت بالكفر: “وَءاتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الاِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” [ابراهيم: 36]. وسبب الظلم هنا كفران نعم الله التي لا تحصى.
أرسل تعليق