مفهوم الإنسان في القرآن 3/3
من الصفات المكتسبة للإنسان في القرآن: صفة الخصام التي عبر عنها بصيغة المبالغة: خصيم: “خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِين” [النحل: 4]، “أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ” [يس: 75]، وفي الموضعين جاء التعقيب بذكر هذه الصفة بعد الحديث عن خلق الإنسان، والتنبيه على أنه خلق من نطفة، أي من شيء مهين، ولكنه مع ذلك يخاصم في أمر عظيم كأمر البعث، فينكره ويسوق حججه على ذلك كما في آية يس: “وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ” [يس:86]. وتأتي صفة الخصام في هذين الموضعين مقترنة بصفة الإبانة: (مبين) التي كانت من أعظم منن الله على الإنسان بعد منة الخلق: “خلق الإنسان علمه البيان” [الرحمن:2].
ومن الصفات التي وصف بها الإنسان في القرآن على وجه الذم أيضا:
– صفة التقتير: “قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً” [الإسراء: 100]. ومما يقاربها صفة المنع في قوله عز وجل: “إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا” [المعارج : 19]
– وصفة الطغيان: “كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أن رآه استغنى” [العلق: 6]
– وصفة الخسران: “إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ” [العصر:2] التي استثني منها الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
وإلى جانب هذه الصفات المكتسبة التي غلب عليها الذم تأتي صفات لا كسب للإنسان فيها، والقرينة التي تبين أن هذه الصفات صفات خلقية غير مكتسبة ورودها مع لفظ الخلق، ومن ذلك:
– صفة الضعف: “يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً” [النساء: 27]، وذهب المفسرون -اعتبارا لسياق الآية- أن ضعف الإنسان هنا يتعلق بأمور النساء، وروي عن ابن عباس في ذلك: “وخلق الله الإنسان ضعيفاً، يعني ضعيفاً في أمر النساء لا يقدر على الصبر عن الجماع”.
وفي مقابل هذا الضعف الطبيعي المتمثل في الميل إلى النساء وعدم الصبر في أمرهن، أشارت آية كريمة أخرى إلى ضعف الإنسان عموما من حيث أساس خلقه: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ” [الروم:52]، وفيه إشارة إلى خلق الإنسان من نطفة، أي من شيء ضعيف، وكلها دلائل على تأصل صفة الضعف في الإنسان.
وقبل أن نختم هذه الجولة المقتضبة في بعض صفات الإنسان ينبغي التنويه إلى أن “الإنسان” في القرآن ـ رغم كل هذه الصفات التي تقدح فيه ـ قد خصه الله بمميزات ومنح هي أساس إنسانيته وأساس تميزه عن غيره من الأجناس، وذلك أنه خلقه في أحسن تقويم: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” [التين:4]، ومكنه من القدرة على البيان: “علمه البيان” [الرحمن:2]، وعلمه ما لم يكن يعلم: “علم الإنسان ما لم يعلم” [العلق:5]، وكفى بهذه الخصيصة الأخيرة أي خصيصة العلم شرفا للإنسان وبيانا لمنزلته عند خالقه عز وجل…
-
في الإنسان جوانب ضعف، وجوانب قوة، ركبهما فيه الخالق سبحانه وتعالى، لتحقق التوازن في شخصيته، لأنه إذا طغت جوانب القوة، قد يصاب بالغرور والطغيان، (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، وإذا طغى جانب الضعف يتحول الإنسان إلى كائن سلبي لا يقوى على الإسهام في إثراء الحياة وإغنائها، وبالتالي تقدمها وازدهارها .
فالتركيبة المتوازنة هي هبة الله تعالى لهذا الإنسان، لو أحسن استخدامها، لعرج في مراقي الكمال.
زعيم الخير الله
التعليقات