Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

..مظاهر الأثر الصوفي في الحديث

الزاوية الناصرية

تأسست الزاوية الناصرية بتمكروت في أواخر القرن العاشر الهجري على ضفاف وادي درعة  قرب مدينة زاكورة، وكان لها دور كبير في خدمة الحديث النبوي الشريف، حيث تعد مركزا علميا وروحيا، تُوفر للوافدين إليها ظروف أخذ العلم من: الإقامة وكفاية مؤنة طلبة العلم.. وتخرَّج من هذه الزاوية كبار العلماء الذين لهم دور فعال في نهضة المجال الديني بالمغرب ومنهم:

أ. الشيخ محمد بن ناصر الدرعي التامكروتي (تـ1085هـ)  

هو الشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر ابن ناصر الدرعي، ولد سنة أحد عشر وألف، وتوفي رحمه الله صدر صفر سنة خمسة وثمانين وألف، ويعتبر من بين أحد العلماء الثلاثة الذين قام عليهم العلم بالمغرب آنذاك، وفي ذلك يقول القادري: “لولا ثلاثة لانقطع العلم من المغرب في القرن الحادي عشر لكثرة الفتن التي ظهرت فيه، وهم: سيدي محمد بن أبي بكر في ملوية من بلاد فزاز، وسيدي محمد بن ناصر في الصحراء، وسيدي عبد القادر الفاسي بفاس[1]، وكلهم من كبار الصوفية، الذين حملوا مشعل العلم والمعرفة، في أحلك الظروف، وأمَّرِّهَا في تاريخ المغرب، وهذا يدل دلالة واضحة على تفانيهم وحرصهم الشديد على تعليم العلوم، ونقل المعارف والفهوم مهما كلفهم ذلك الأمر.

وقد مدحه كبار العلماء وحمدوا له فعاله الحسنة، وعلومه الجمة التي يلقنها في زاويته، نذكر منهم العلامة أحمد أحزي الهشتوكي الذي قال فيه: “شيخنا وقدوتنا، ووسيلتنا إلى ربنا، الحافظ الجامع الزاهد الخاشع[2]، ووصفه تلميذه اليوسي في فهرسه بقوله: “كان رحمه الله مشاركا في فنون من العلم، كالفقه والعربية والكلام والتفسير والحديث والتصوف.. وكان رحمه الله مع انكبابه على علوم القوم وانتهاجه منهج الطريقة، لا يُخل بالعلم الظاهر تدريسا وتأليفا وتقييدا وضبطا، نفع الله به الفريقين ونوّر به الجانبين، وصحبه الناس شرقا وغربا فانتفع به الخلق[3].

وتتجلى عنايته بكتب الحديث في جهده الكبير في خدمة هذا العلم النبوي الشريف، فقد كان رحمه الله يَدرس ويُدرس هذا العلم كل يوم، فإذا أهَلَّ شهر رمضان، يعتكف على سرد صحيح الإمام البخاري ودراسة معانيه واستخلاص مضامينه وأحكامه.

وقد تخرج على يد هذا الشيخ الجليل العديد من العلماء النبغاء الذين ملئوا مختلف أنحاء المغرب علما وعملا، ومن تلاميذه الذين أخذوا عنه العلم، وبخاصة علم الحديث والتصوف، أبو علي الحسن ابن مسعود اليوسي وغيره كثير.

ب. الشيخ أحمد بن محمد بن ناصر (تـ1129هـ)

هو الحافظ الكبير، العالم العامل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، وأحد رجالات الزاوية الناصرية، ولد سنة 1057هـ، وتوفي -رحمه الله- بدرعة ليلة الجمعة بين العشاءين تاسع عشر ربيع الثاني سنة تسع وعشرين ومائة وألف، يقول عنه الشيخ عبد الحي الكتاني في فهرسه: “كان ممن نصر السنة في المغرب، وحبذ أعمالها وآدابها، وتعصب لها تعصب الغيور الهصور، وكان له تأكيد في اتباع العلم وتحكيمه، يُؤخذ ذلك من رسائله لزواياه[4].

يقول الحضيكي في ترجمته له: “وكان -رضي الله عنه- مقيما للسنة النبوية والشريعة المحمدية، حريصا على إحياء السنن وإخماد البدع، شديدا على أهل البدع والضلال، قوَّالا للحق.. فعم نفعه البلاد والعباد، وصارت بركته وصيته في الأرض، وسرى سره بحمد الله في القلوب، ووضع له القبول في الأرض، وتزاحم على بابه الركبان، وتسارع الناس إليه من كل وجه، وشُدت المطايا له من أقاصي الأرض، فأشرقت القلوب وانبسطت النفوس، ونشطت لعبادة خالقها، وذهب عنها البؤس ببركة إحياء السنة واتباع الشريعة المصطفوية، حتى اشتهر ذلك في عالم الأرض عند القريب والبعيد، وهدى الله به أكثر العباد[5].

ويرجع له الفضل الكبير في إحياء العلم وبعثه في المنطقة الجنوبية، وربط جسور التواصل بين الشمال والجنوب، من خلال التنقلات والرحلات العلمية للطلبة والعلماء، كما يرجع له الفضل في تأسيس مراكز علمية موازية تقوم، بنشر تعاليم الإسلام السمحة، وغرسه في نفوس أبناء المنطقة، وإزالة مظاهر الجهل والأمية المتفشية في المجتمع، وإعداد وتكوين علماء يكونون أعوانا وسفراء للقيام بواجب تأطير المجتمع وتحصينه.

كما ساهم هذا الشيخ في إغناء مكتبة الزاوية بالنفائس والذخائر، باذلا في ذلك أموالا طائلة، “حتى قيل أنه اشترى بمصر في آخر حجاته مائة مثقال ذهب من كتب، ولا يمنعها من مستحقها حتى أنه اشترى نسخة من صحيح البخاري بمكة بثلاثة وسبعين مثقال ذهبا”[6]، وهو الذي جلب إلى المغرب لأول مرة في تاريخه النسخة اليونينية من صحيح البخاري، وهي نسخة في عشرة أسفار كتبت بخط مشرقي واضح نقي، كتبها إبراهيم بن علي القيصري المكي الحنفي، وفرغ منها سنة (1117هـ)، تجاه الكعبة المعظمة، وذكر أن ناسخ الأصل اليونيني هو محمد ابن عبد المجيد أتمها سنة (669ه)، وعلى الفرع المذكور بخط المترجَم: “مِلْكٌ لله بِيد أحمد بن محمد بن ناصر، كان الله له، بمكة المشرفة بثمانين دينارا ذهبا[7]، ولا تزال هذه النسخة موجودة بالخزانة العامة بالرباط.

ث. الشيخ محمد بن عبد السلام الناصري

هو الإمام الفقيه المحدث المسند، أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن عبد الله بن محمد الكبير بن ناصر الدرعي التامكروتي، خاتمة الحفاظ بالمغرب كما وصفه الشيخ الكوهن في فهرسته[8]أثناء رحلته الحجازية الأولى سنة (1196هـ)، التقى بالشيخ مرتضى الزبيدي الحسني فأجازه نظما ونثرا، ومن بين ما قال داعيا له بالتفوق في حفظ الحديث.

وقد سألت ربنــا سبحـانه          له على مـا قصد الإعانــة

حتى يصير حافظ الزمــان          وعالمــا بعلمه الربــــاني[9].

وقد أهداه عدة أسفار نادرة أخرجها من مكتبته تقديرا له وإكبارا له على تقدمه في هذا الشأن، وما يدل على مدى حبه للسنة النبوية، والسعي وراء خدمتها، هو بحثه الحثيث عن الأصول النادرة، وأداه ذلك أنه لما حج المرة الثانية سنة (1212هـ)، اكتشف نسخة صحيح البخاري بخط الصدفي في طرابلس الغرب فاهتم بها وتعلق، وخاطب صاحبها في شرائها، ولما لم يستطع ذلك لارتفاع ثمنها، أخبر بذلك السلطان سليمان العلوي الذي وجه رسولا خاصا يحمل ألف مثقال لصاحب النسخة فقبل البائع وهم بحملها إلى الملك لكن الحرب حالت دون ذلك”[10].

وما يميز هذه الزاوية هي المكتبة الضخمة التي تحتوي على نفائس وذخائر جعلتها محط أنظار الباحثين والعلماء في مختلف أنحاء المغرب وخارجه، وسيكون لنا في الأعداد المقبلة إن شاء الله حديث خاص عن جهود الصوفية في إنشاء المكتبات.

يتبع في العدد المقبل..

———————————

1. نشر المثاني، لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق: محمد حجي، وأحمد التوفيق، ضمن موسوعة أعلام المغرب، تنسيق وتحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، 4/1640 ط: 2/2008.

2. طبقات الحضيكي، لمحمد بن أحمد الحضيكي، تقديم وتحقيق: أحمد بومزكو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 2/319، ط:1/1427هـ/2006م.

3. فهرسة اليوسي، للإمام أبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي، 144، تقديم وتحقيق: حميد حماني اليوسي، ط1، 1425هـ 2004م.

4. فهرس الفهارس ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، باعتناء إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، 2/677، ط: 2، 1420هـ/ 1982م.

5. طبقات الحضيكي، 1/86.

6. فهرس الفهارس، 2/677.

7. نفسه، 2/672.

8. نفسه، 2/847.

9. نفسه، 2/847.

10. طلعة المشتري، 2/164، نقلا عن كتاب: مدرسة الإمام البخاري بالمغرب، 2/514، أنظر الهامش رقم: 22.

أرسل تعليق