مستقبل أجيال الغد
الأسر المسلمة أدواح باسقة لا نرضى أن تذبل أغصانها الوارفة، وأوراقها الخضراء وأثمارها اليانعة، وأجيالها الصاعدة بمثابة الصبح الذي يبدد الظلام الحالك، وهو يطارده بأشعة شمس ساطعة تجلي هذه العتمة، بتسطير تاريخ إنساني، وبناء مجتمع إسلامي بوجه حضاري متجدد، لكي تستعيد الأمة دورها الإنساني المتميز، ووضعها في مكانها اللائق بها، حتى تكون في المستوى الذي تنشده رافعة لواء التقدم وحاملة غصن الحب والسلام لتهديه إلى مختلف الشعوب والعوالم.
فالأسر المسلمة لا تيأس مهما تبلدت فوق رؤوسها السحب، ومهما غشاها الضباب؛ فإنها مع إخلاص النية تكون في معية الله سبحانه، ويوم تكون أعمالها نابضة بالحياة تفاجئ الدنيا بنتائج سارة تخرج الإنسانية من الذل والهوان، وتزاحم السابقين في المناقب والمكرمات، والمآثر والمفاخر، هذا هو ما يسمى بإخلاص الأسر المسلمة الكامل في حركاتها وسكناتها مع البنين والبنات، وفيما بينها وبين ربها، مهما قاست من عراقيل وصعوبات.
أن الله جلت قدرته، جعل البشرية شعوبا وقبائل للتعاون والتعارف الإنساني، والحفاظ على العلاقات الإنسانية يعني الحفاظ على كرامة الكائن البشري، والإبقاء على تلك العلاقات وترميمها من حين لآخر، وهو إبقاء على تطوير هذا التعاون والتعارف من حسن إلى أحسن، مع احترام الملامح الرئيسية لكل أمة وكل شعب، تمشيا مع طبيعة وروح العصر قال تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعرفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” [الحجرات، 13].
والإرادة الإنسانية وطموحاتها لا حد لهما، وليس لعائق يستطيع أن يقف أمامها، وبهذا الطموح تنجح كل أسرة مسلمة في مجال رعاية الأجيال، وبتفوق رأينا جدواه على امتداد التاريخ، ولا شك أن لكل عصر رجاله وأسره، يقومون بأعمال رائعة ومثيرة للإعجاب والإتباع؛ لأنهم شموس الأمة وأنوارها لا يخفى أثرهم، وكما الشمس لا يخفى ضوؤها، وإن كانت تحت السحاب، فكذلك العبقري الموهوب لا تخفى مواهب عقله، وإن كان مغمورا بعتمة الفاسدين وطبولهم الصاخبة، وللأمانة فليس من حق أحد أن يحجب الحقيقة؛ لأن وراء ذلك حساب وأي حساب والله تعالى يقول: “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” [ق، 18]
فالأسر الصالحة هي التي تحتضن الحياة بأرواحها القوية التي تتسم بالمثالية والإحساس العميق، تستمد نورها من نبع الرسالة المحمدية، وغريزة إنسانية قوية، تحمل في طياتها مشعل الدعوة الإسلامية وجوهر التربية المثالية، وتخوض من أجلها كل الصعاب، وتقدم كل التضحيات الفعالة، قصد محاربة كل من تسول له نفسه المساس بأركان هذا الدين القويم. إنها الأسر الطموحة التي تسعى دوما إلى تطوير ذاتها، وتطمح من حين لآخر إلى تحقيق جو تربوي مفعم باليقين الصادق.
والمصلح في الأمة هو ذاك الشخص الذي لم يستطع التاريخ أن يفسد عمله من بعده، ومن رسالته ألا يكون بمعزل عن هموم أمته وإخوته من أبناء وبنات آدم، وإذا قال عن علم وعن دليل، يضع نفسه طوع مجتمعه، هو الهادي المرشد بحكم الدين، موفق في أداء رسالته على الوجه المطلوب، فهو عند البلايا عنوان الرجولة، كالنار تزيد الذهب توهجا ونقاء، وكل محنة تزيده قوة ومضاء، وسنة الله جرت في خلقه من قديم، أن يمتحنهم بالشدائد، ويختبرهم بالمصائب، والشدة إذا نزلت بهذا النوع من الرجال، زادتهم إيمانا ويقينا وقوة في الدين، ومتانة في اليقين، ورسوخا في العقيدة، وما ذلك إلا لأن الله جلت قدرته قد استودعهم وديعة الدين، وهم وكلاء عن صاحبها في حفظها وصيانتها، وأمناء على رعايتها، كرعايتهم لمالهم، وهم الصادقون مع الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” [الاَحزاب، 23].
والله المستعان
أرسل تعليق