مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (9)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
دليل الكتاب عند الأصوليين وهو دليل الخطاب أو تنبيه الخطاب أو لحن الخطاب أو مفهوم المخالفة عند المالكية، وقد عرفه الباجي بأنه: “قصر حكم المنطوق به على ما تناوله، وحكم للمسكوت عنه بما خالفه”[1]، وعرفه القرافي بقوله: “وهو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه”[2].
وهو حجة عند مالك، وأكثر علماء المذهب[3]، باستثناء الباجي[4]، وهو حجة عند الشافعي[5]، وأنكره أبو حنيفة.
وهو على سبعة أضرب: الشرط، والغاية، والحصر، والعدد، والعلة، والوصف، والظرف.
مثال مفهوم الشرط من القرآن قوله تعالى: “وإن كن أولاتِ حمل فأنفقوا عليهن” [الطلاق، 6]، فمفهومه: أن غير أولات الحمل من المطلقات البوائن لا تجب على الزوج لهن نفقة.
ومثاله في الغاية من القرآن قوله تعالى: “فلا تحل له من بعد حتى تنكحا زوجا غيره” [البقرة، 228]
ومثاله في العدد، قوله تعالى: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة” [النور، 2]، فمفهوم قوله تعالى: “مائة جلدة” أن العدد محصور في المائة لا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان.
ومثاله في الحصر قوله تعالى: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” فمفهوم الحصر في هذه الآية أن كل ما في وسع المكلف أن يأتي به من المأمورات فهو مأمور به ومكلف به.
ومثاله في الصفة، قوله تعالى: “وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن” [النساء، 23]، فمفهومه أن الزوجة التي عقد عليها الزوج لكن لم يدخل بها لا يحرم على الزوج نكاحها.
ومثاله في الظرف، قوله تعالى: “الحج أشهر معلومات” [البقرة، 169]. فمفهومه أن الحج في غير تلك الأشهر لا يصح.
ودليل الخطاب حجة شرعية يجوز العمل به، إذا انتفت موانعه، وموانع دليل الخطاب ستة وهي:
1. أن يكون القيد الذي هو الشرط أو الوصف أو غيرهما خرج مخرج الغالب لا مخرج التقييد، كقوله تعالى: “وربائبكم التي في حجوركم” [النساء، 23] “فوصف الربائب بكونهن في حجر الزوج خرج نخرج الغالب، لأن الغالب في الربيبة أن تكون في حجر زوج أمها، فليس مقصودا به تقييد تحريم الربيبة على زوج أمها بها إذا كانت في حجره فتحرم عليه، وإن لم تكن في حجره فلا تحرم، وهذا هو مذهب مالك خلافا للظاهرية؛ فإنه اعتبر التقييد“[6].
2. أن يكون ذكر القيد للامتنان لا للتقييد، كقوله تعالى: “وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا” [النحل، 14] حيث وصف اللحم بالطراوة، فهو من باب امتنان الله تعالى علينا، ولا يُفهم منه تقييد جواز أكل اللحم الطري فلا يجوز أكل القديد.
3. أن يخرج القيد مخرج التوكيد، كقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً” فوصف المرأة بالإيمان بالله واليوم الآخر، خرج مخرج التأكيد لا لقصد التقييد، فالمؤمنة والكتابية في ذلك سواء.
4. أن يكون ذكر القيد لأجل بيان الواقع، كقوله تعالى: “لا يتخذ المومنون الكافرين أولياء من دون المومنين” [اَل عمران، 81].
5. أن يأتي للمبالغة، نحو قوله تعالى في النهي عن الاستغفار للمنافقين: “إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم” [التوبة، 81]، فتقييد العدد الوارد في الآية إنما هو للمبالغة ولا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا استغفر لهم أكثر من العدد المحدد وهو السبعين سيغفر لهم، وإنما المراد لن ينفعهم استغفاره ولو بلغ أكثر من ذلك العدد.
6. أن يأتي القيد لأجل سؤال سائل، كقوله صلى الله عليه وسلم: “في الغنم السائمة زكاة“[7]. فمفهوم هذا الحديث أن الزكاة لا تجب إلا في الغنم السائمة، أما المعلوفة فلا تجب فيها زكاة.
يتبع في العدد المقبل..
——————————————
1. كتاب الحدود في الأصول، للإمام الباجي، تحقيق: نزيه حماد، مؤسسة الزعبي، ط: الأولى، 1392هـ / 1973م، ص: 50.
2. شرح تنقيح الفصولفي إختصار المحصول في الأصول، للإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، طبعة 1424هـ / 2004م، ص: 49.
3. مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ويليه مثارات الغلط في الأدلة، للإمام الشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني التلمساني، تحقيق: محمد علي فركوس، المكتبة المكية، مؤسسة الريان، ط1، 1419هـ / 1998م، ص: 555.
4. كتاب الحدود في الأصول، ص: 51.
5. شرح اللمع، لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي، تحقيق: عبد المجيد التركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة1، 1408هـ / 1988م، 1/428.
6. إيصال السالك في أصول الإمام مالك، للشيخ محمد يحيى الولاتي، 31.
7. الموطأ، للإمام مالك، كتاب الزكاة، باب صدقة الماشية.
أرسل تعليق