مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (7)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
[ترجمة الإمام مالك]
قال ابن وهب: “الذي تعلمنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه“[1].
وقال ابن مهدي: “لقيت أربعة: مالكا وسفيان وشعبة وابن المبارك، فكان مالك أشدهم عقلا. وقال: ما رأيت عيناي أحدا أهيب من هيبة مالك، ولا أتم عقلا، ولا أشد تقوى، ولا أوفر دماغا من مالك“[2].
وكان جل أوقاته رحمه الله إما في العلم أو الاستغراق في حضرة الله تعالى، ومن عجيب أمره ما حكاه الشافعي عنه أنه سُئل ذات يوم عن الصورة في البيت فقال: “لا تنبغي، فقال له رجل عراقي: يا أبا عبد الله هو ذا في بيتك صورة، قال: أنا ساكن فيه منذ كذا ما رأيته قط، قم فحكها، فأخذ قناة فلف عليها خرقة ثم حكها“[3].
وكانت مجالسه العلمية مجالس هيبة ووقار وتعظيم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مطرف: “وكان مالك إذا أتاه الناس خرجت إليهم الجارية فتقول لهم: يقول لكم الشيخ: تريدون الحديث أو المسائل؟ فإن قالوا: المسائل، خرج إليهم فأفتاهم، وإن قالوا الحديث، قال لهم: اجلسوا، ودخل مغتسله فاغتسل وتطيب، ولبس ثيابا جددا، ولبس ساجة، وتعمم، ووضع على رأسه طويلة، وتُلقى إليه المنصة، فيخرج إليهم وقد لبس وتطيب وعليه الخشوع، ويوضع عود، فلا يزال يبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم“[4].
وقد سئل رحمه عن سبب ذلك فأجاب: “أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا“[5].
وأعجب ما حكي عن مالك في ذلك ما حكاه عبد الله بن المبارك وكان حاضرا، حيث قال: “كنت عند مالك وهو يحدثنا، فلدغته عقرب ستة عشر مرة، ومالك يتغير لونه، ويصبر، ولا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فلما فرغ من المجلس، وتفرق الناس، قلت يا أبا عبد الله لقد رأيت منك اليوم عجبا، قال: إنما صبرت إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم“[6].
وهذا الفعل لا يمكن أن يصدر إلا عن محب هام في ذات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعرف قدره ومنزلته.
4. أقوال العلماء فيه
أثنى علماء الأمة خلفا عن سلف على الإمام مالك بما يقطع إجماعهم على إمامته وفضله وتقدمه في ميدان العلم والعمل، وكان من الأوائل الذين أثنوا عليه شيوخه كابن هرمز وابن شهاب، ومن أتى بعدهما من العلماء والصلحاء إلى يومنا هذا.
قال ابن هرمز يوما لجاريته: “من بالباب؟ فلم تر إلا مالكا، فذكرت ذلك له، فقال: ادعيه، فإنه عالم الناس”[7].
وقال له ابن شهاب: “أنت من أوعية العلم، أو إنك لنعم مستودع العلم“[8].
ويقول سفيان بن عيينة: “ما نحن عند مالك؟ إنما كنا نتبع آثار مالك، وقال: إن المدينة أو ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد مالك، قال: ومالك سيد أهل المدينة، وقال: مالك سيد المسلمين…”[9].
قال الإمام الشافعي: “مالك بن أنس معلمي، وفي رواية: أستاذي، وما أحد أمن عليَّ من مالك، وعنه أخذنا العلم، وإنما أنا غلام من غلمان مالك“[10]. وقال أيضا: “إذا ذكر العلماء فمالك النجم، ولم يبلغ أحد في العلم مبلغ مالك، لحفظه وإتقانه وصيانته، ومن أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك“[11].
وقال ابن مبارك رحمه الله: “لو قيل لي اختر للأمة إماما لاخترت لها مالكا“[12].
وقال ابن مهدي رحمه الله: “ما بقي على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من مالك”[13].
قال الإمام أحمد رحمه: “يرحم الله مالكا، كان من الإسلام بمكان وقال: لا يترك عن مالك حديث ولا كلام إلا كتب، وقال: مالك حافظ متثبت، من أثبت الناس في الحديث“[14]. وقال الإمام البخاري، وأبو زرعة الرازي، ومحمد بن عبد الحكم، وأبو عبد الله بن الربيع وغير واحد: “مالك بن أنس إمام“[15].
وقال الإمام النسائي: “أمناء الله على وحيه: شعبة، ومالك، ويحيي بن سعيد القطان، ما أحد عندي بعد التابعين أفضل من مالك ولا أجمل منه ولا أوثق، ولا أحد آمن على الحديث منه“[16].
5. مؤلفاته
خلف الإمام مالك علما غزيرا ومؤلفات جليلة القدر عظيمة النفع، ومن أنفس هذه الكتب وأغزرها الذي انكب عليه الناس بمختلف مشاربهم ومذاهبهم كتاب الموطأ، وهو كتاب في الحديث والفقه.
وفيما يلي أقوال العلماء في الموطأ:
- قال ابن مهدي: “ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من الموطأ“[17].
- وقال الإمام الشافعي: “ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك“.
- وقال: “ما على الأرض كتاب أصح من كتاب مالك، وفي رواية “أفضل” وما كتب الناس بعد القرآن شيئا هو أنفع من موطأ مالك، وإذا جاء الأثر من كتاب مالك فهو الثريا”[18].
- وقال الإمام أحمد بن حنبل: “ما أحسن الموطأ لمن تدين به“[19].
6. ومن مؤلفاته رحمه الله
- رسالة إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية، قال عنه القاضي عياض: “وهو من خيار الكتب في هذا الباب، الدال على سعة علمه بهذا الشأن رحمه الله“[20]؛
- ومنها كذلك: رسالته في الأقضية، كتبها لبعض القضاة وهي تقع في عشرة أجزاء؛
- ومن ذلك رسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف في الفتوى؛
- ورسالة إلى الخليفة هارون الرشيد في الآداب والمواعظ؛
- وكتاب في التفسير لغريب القرآن؛
- ورسالة إلى الليث بن سعد في إجماع أهل المدينة..
7. وفاته
توفي رحمه الله على الأشهر يوم الأحد، في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة، ولتمام اثنتين وعشرين يوما من مرضه، رحمه الله.
——————————————–
1. ترتيب المدارك، 1/111.
2. ترتيب المدارك، 1/111.
3. ترتيب المدارك، 1/113.
4. ترتيب المدارك، 1/163.
5. ترتيب المدارك، 1/164.
6. ترتيب المدارك، 1/165.
7. ترتيب المدارك، 1/128
8. ترتيب المدارك، 1/128.
9. ترتيب المدارك، 1/128.
10. ترتيب المدارك، 1/129.
11. ترتيب المدارك، 1/ 129.
12. ترتيب المدارك، 1/ 134.
13. ترتيب المدارك، 1/132.
14. ترتيب المدارك، 1/134.
15. ترتيب المدارك، 1/134.
16. ترتيب المدارك، 1/135.
17. ترتيب المدارك، 1/215.
18. ترتيب المدارك، 1/215.
19. ترتيب المدارك، 1/215.
20. ترتيب المدارك، 1/236.
أرسل تعليق