مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (46)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
[قول الصحابي]
من خلال تتبعنا لموطأ الإمام مالك نجده يستدل بأقوال الصحابة، فهي عنده بمنزلة السنة النبوية، كما أن الشيخ محمد أبو زهرة يؤكد هذا الأمر[1]، وذلك بناء على مجموعة من الأمور، حيث أن مالكا يخصص العام بقول الصحابي، ويقيد به المطلق، ويبين به المجمل، وقد يرجحه، ويقدمه على القياس، أما النسخ به ففيه خلاف.
1. تخصيص العام بقول الصحابي:
اضطرب النقلة في تحديد مذهب مالك في تخصيص العام بقول الصحابي إلى قولين:
القول الأول: أنه لا يخصص العام بقول الصحابي، وقطع الباجي أنه مذهب مالك في “أحكام الفصول“[2] وصححه في “الإشارة”[3] ونص عليه القرافي[4] وحلولو[5] والشنقيطي[6] ومحمد الأمين الجكني[7].
القول الثاني: أن العام يخصص بقول الصحابي إذا ظهر ولم يُعلم له مخالف، فهو يجري مجرى الإجماع السكوتي، نص على أنه قول مالك ابن القصار[8] والشيرازي[9] وأضافه إلى المالكية أو بعضهم القرافي[10] وابن لب وحلولو وابن النجار[11].
والراجح أن مالكا يخصص العام بقول الصحابي بدليل أنه يجوز التخصيص بالقياس، ويرى أن قول الصحابي مقدم على القياس فمن باب أولى أن يخصص العام بقول الصحابي. والأمر الثاني أن المتتبع لفقه الإمام مالك يرى بكل وضوح أن مالكا يخصص العام بقول الصحابي ومثال ذلك:
الأخذ من اللحية:
فقد أخرج مالك عن عبد الله بن عمر “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى“[12].
هذا الحديث يدل دلالة واضحة على وجوب إعفاء اللحى في عموم الأشخاص، والأوقات، إلا أن مالكا لم يعمل بهذا العموم مطلقا، حيث أجاز للحاج إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته، واستند في هذا التخصيص إلى فعل ابن عمر راوي الحديث السابق، فقد أخرج مالك في الموطأ: “عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه”[13].
قال ابن عبد البر: “قد صح عن ابن عمر ما ذكرناه عنه في الأخذ من اللحية، وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى، وهو أعلم بما روى“[14].
يتبع في العدد المقبل….
————————–
1. مالك، لمحمد أبو زهرة، 265.
2. أحكام الفصول، ص: 274.
3. الاشارة:204
4. شرح تنقيح الفصول: 171، العقد المنظوم، 2/365.5.
5. الضياء اللامع:2/47.
6. نشر البنود:1/667.
مراقي السعود: 225-226.
8. المقدمة في الأصول: 104.
9. شرح اللمع: 2/742.
10. شرح تنقيح الفصول: 171 حيث قال: “ومذهب الراوي لا يخصص عند مالك والشافعي رضي الله عنهما خلافا لبعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافعي”.
11. شرح الكوكب المنير: 3/375.
12. الموطأ: كتاب: الشعر، باب: السنة في الشعر.
13. الموطأ: كتاب: الحج، باب: التقصير، ص: 202.
14. الاستذكار: 27/66.
أرسل تعليق