مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (41)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
[مراعاة الخلاف]
سنقدم أمثلة عن مراعاة الخلاف في المذهب المالكي، وإلا فهي كثيرة جدا، نبين فيها انفتاح المذهب على باقي المذاهب الفقهية المعتبرة.
المسألة الأولى: الماء الذي ولغ فيه الكلب:
من المعلوم أن الماء المعتبر في الطهارة يجب أن يكون طاهرا غير متغير بشيء يفقده وصف الطهارة، إلا أن العلماء اختلفوا في الماء الذي ولغ فيه الكلب، فعند المالكية طاهرا مطهرا، إلا أنه يكره استعماله مع وجود غيره مراعاة لمن قال بنجاسته[1].
ودليله المالكية على طهارة الماء الذي ولغ فيه الكلب:
أن الله تبارك وتعالى قال: “فكلوا مما أمسكن عليكم” [المائدة، 4]، ولم يأمر بغسل ولا رمي الصيد، ولذلك قال الإمام مالك: “يؤكل صيده فكيف يكره لعابه”[2]، أي يؤكل ما اصطاده الكلب من غير غسل، فمن باب أولى أن نتوضأ بالماء الذي ولغ فيه، ثم إن القياس لا يمنع من جعل الكلب بمنزلة الهر الذي لا يُكره الماء الذي ولغ فيه، لعلة التطواف، فقد “كان يرى – أي الإمام مالك – الكلب كأنه من أهل البيت”[3]، ولمشقة الاحتراز منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الهرة: “ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات”[4]. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها الكلاب والسباع فقال: “لها ما حملت في بطونها ولكم ما بقي شرابا وطهور”[5].
وذهب الشافعية إلى أن الكلب نجس، وأن الماء الذي ولغ فيه يعتبر ناجسا
ودليلهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات”[7].
وحمل المالكية هذا الحديث على التعبد، قال القاضي عبد الوهاب: “ويدل على أن غسل الإناء منه تعبد، فنقول لأنه غسل مقيد بعدد فأشبه الوضوء”[8].
وعلى الرغم من هذا فإن المالكية راعوا الخلاف وبخاصة خلاف الشافعية، وقالوا بكراهة الماء الذي ولغ فيه الكلب خروجا من الخلاف[9].
يتبع في العدد المقبل..
——————————————
1. ينظر المدونة، 1/605، والمعونة، للقاضي عبد الوهاب البغدادي، 1/180، ومواهب الجليل للحطاب، 1/74.
2. المدونة، 1/605.
3. المدونة، 1/607.
4. رواه مالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب: الطهور للوضوء.
5. أخرجه ابن ماجة في السنن، كتاب الطهارة، باب: الحياض. رقم: 519.
6. ينظر، المجموع للنووي، 1/174-176.
7. صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب، ولوغ الكلب.
8. المعونة، 1/181.
9. مختصر خليل، 5- ومواهب الجليل، 1/74.
أرسل تعليق