مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (38)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
[أدلة مراعاة الخلاف]
اختلف العلماء حول مشروعية مراعاة الخلاف بين مجيز وبين مانع، وسنحاول الوقوف عند دليل كل فريق وترجيح المذهب القوي في هذا المبحث.
1. أدلة المجيزين لمراعاة الخلاف بعد الوقوع: ذهب جمهور المالكية إلى الاستدلال بمجموعة من الأدلة النقلية والعقلية لتأكيد مشروعية مراعاة الخلاف.
أ. الأدلة النقلية: استدل العلماء على مشروعية مراعاة الخلاف بمجموعة من الأدلة النقلية منها: قصة ولد زمعة الذي اختصم فيه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إذ عهد عتبة بن أبي وقاص لأخيه سعد: أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك، فأخذه سعد، فقام إليه عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، وتدافعا بعد تنازعهما في الولد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هو لك يا عبد بن زمعة“، ثم قال: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، أي الرجم، وقال لسودة بنت زمعة: “احتجبي منه يا سودة” لما رأى منه شبهه بعتبة بن أبي وقاص[1].
فهذا الحديث فيه دليل على مراعاة الخلاف ذلك أن سودة تعتبر أختا للولد المتنازع فيه، لأنه تم إلحاقه بأبيها، وهذا هو الأصل الذي جاء به التشريع الحكيم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجد الشبه بين الولد وبين عتبة بن أبي وقاص، أمر سودة بالاحتجاب منه، فهي كالأجنبية عنه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم راعى الدليلين كليهما، فاعتمد الدليل المعتبر، فألحق الولد بالفراش، وراعى الدليل الضعيف المحتمل وهو الأمر بالاحتجاب من الولد باعتباره أجنبيا.
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها”[2] وحديث عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها لما أصاب منها”[3].
فالأصل أن النكاح بدون ولي هو باطل ولا ينتج أي أثر، لكن عندما أعقبه بما يدل على اعتبار بعض أثاره وذلك بمنح المهر للمرأة لما أصاب منها، وقد فصل الشاطبي في هذه المسألة بقوله: “وهذا تصحيح للمنهي عنه من وجه، ولذلك يقع فيه الميراث ويثبت النسب للولد، وإجراؤهم النكاح الفاسد مجرى الصحيح في هذه الأحكام وفي حرمة المصاهرة وغير ذلك دليل على الحكم بصحته على الجملة، وإلا كان في حكم الزنى، وليس في حكمه باتفاق.
فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح، وهذا كله نظرا إلى ما يؤول إليه ترتيب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد”[4].
يتبع في العدد المقبل..
—————————————–
1. صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير المشبهات.
2. أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، رقم: 1879، والدارقطني في سننه، وصححه، 3/227.
3. رواه أبو داود في النكاح، باب: في الولي، رقم 2083.
4. الموافقات، 4/204-205.
أرسل تعليق