مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (15)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
الإجماع هو الأصل الثالث الذي بنى عليه الإمام مالك فقهه ومذهبه. يقول ابن أبي كف في الأصول المعتمدة لدى الإمام مالك:
ثُمَّتَ إجماع وقيس وعمل مدينة الرسول أسخى من بذل
الإجماع في اللغة له معنيين: العزم والاتفاق، فبخصوص المعنى الأول: يُقال: أجمع فلان على الأمر أي عزم عليه، ومنه قوله تعالى: “فأجمعوا أمركم وشركاءكم” [يونس، 71]، أي اعزموا، وأما المعنى الثاني، فيقال: أجمع القوم على كذا أي اتفقوا عليه.
وفي الاصطلاح هو: “هو اتفاق مجتهدي أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي“.
ويشترط في الإجماع أن يكون صادرا من المجتهدين الذين تتوفر فيهم أهلية الاجتهاد، ولا يلتفت إلى ما عداهم من العامة ممن لم تتوفر لديهم آليات الاجتهاد والاستنباط، كما يجب أن يكون الاتفاق من جميع المجتهدين، وإلا فليس بإجماع، ويترتبن عن هذا أن اتفاق أهل المدينة لا يعد إجماعا، ولا اتفاق أهل الحرمين ولا اتفاق آل البيت فهذا كله لا يعتبر إجماعا.
فالإجماع حجة معتبرة عند أكثر العلماء، وقد استدل العلماء على حجية الإجماع بأدلة كثيرة من القرآن ومن السنة النبوية الشريفة نذكرها كالتالي:
ورد في القرآن الكريم إشارات تدل على حجية الإجماع منها قوله تعالى: “وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” [النساء، 114]، والمعنى أن الله حرم منازعة أحكام الله وأحكام رسوله، وحرم كذلك إتباع غير سبيل المومنين، وإذا حرم إتباع غير سبيلهم فاتباع سبيلهم واجب، وهو الإجماع.
ومن الآيات كذلك قوله سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَمْرِ مِنْكُمْ” [النساء، 58] ذهب بعض المفسرين أن معنى أولي الأمر في الآية هم العلماء، فإذا اتفق هؤلاء العلماء على حكم من الأحكام الاجتهادية فيجب على الجميع الالتزام به وتنفيذه، وعدم الخروج عنه، وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: “وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الاَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” [النساء، 82].
كما اعتمد العلماء على السنة النبوية لإثبات حجية الإجماع، فقد وردت عدة أحاديث تدل على عصمة هذه الأمة من الاجتماع على الخطأ، وإن لم تتواتر بألفاظها وآحادها إلا أنها تدل على هذا المعنى، من هذه الأحاديث، قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تجتمع أمتي على خطأ“، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “يد الله مع الجماعة”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله“، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية“، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد”.
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق