مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (12)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
2. السنة النبوية
السنة النبوية الشريفة هي المصدر الثاني من مصادر الاستنباط عند جميع العلماء والفقهاء ومن بينهم الإمام مالك رحمه الله. وفي وضع اللسان العربي تأتي بمعنى السيرة والطريقة المعتادة، وعند الأصوليين: “هي كل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير”. وتنقسم إلى قسمين أساسيين، أولهما من حيث السند، والثاني من حيث المتن، وتحت كل قسم أقسام أُخر، وهي:
أ. أقسام السنة من حيث السند
تنقسم السنة النبوية من حيث السند إلى قسمين عند الجمهور وهي السنة المتواترة، وسنة آحاد، وعند الحنفية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: سنة متواترة، وسنة مشهورة، وسنة آحاد.
السنة المتواترة: هي ما رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصور الثلاثة الأولى جمع يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب.
وقد عرفه ابن جزي بقوله: “خبر نقله جماعة يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب“[1].
والضابط في تحديد عدد التواتر هو حصول العلم واليقين، كما عند المحققين من العلماء من دون تحديد عدد معين[2].
أمثلة عن السنة المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: السنن العملية من الوضوء والصلاة والصوم والحج والزكاة والآذان والإقامة ونحوها المعلوم من الدين بالضرورة التي تناقلها الجمع عن الجمع، وكحديث: “من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار“، وحديث: “ليبلغ الشاهد منكم الغائب” إلى آخره وقد جمعها الشيخ أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني في كتابه: “نظم المتناثر من الحديث المتواتر“.
حكم المتواتر: أنه قطعي الثبوت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيفيد العلم واليقين ويُكفر جاحده.
السنة المشهورة: هي ما رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم عدد لم يبلغ جمع التواتر كواحد أو اثنين، ثم انتشر في القرن الثاني بعد الصحابة، فتناقله جمع التواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب.
أمثلة عن السنة المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: حديث: “إنما الأعمال بالنيات“، وحديث: “بُني الإسلام على خمس”، وحديث: “لا ضرر ولا ضرار” إلى غيرها من الأحاديث.
الفرق بين السنة المتواترة والسنة المشهورة يكمن في أن الأولى تحقق فيها جمع التواتر في حلقات السند كلها في القرون الثلاثة الأولى. أما السنة المشهورة فلا يتحقق فيها التواتر في الحلقة الأولى فبان الفرق بينهما.
حكم السنة المشهورة: فهي قطعية الثبوت عن الصحابة الذين رووها، ولكنها ليست قطعية الثبوت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فتفيد الطمأنينة والظن القريب من اليقين، ويُفسق جاحدها.
سنة الآحاد: وهي: “خبر الواحد أو الجماعة الذين لا يبلغون حد التواتر“[3].
وعرفها القرافي بقوله هي: “خبر العدل أو العدول المفيد للظن“[4].
حكمها: أنها تفيد الظن لا اليقين، يقول ابن جزي الغرناطي عن خبر الآحاد: “وهو لا يفيد العلم، وإنما يفيد الظن“، وهو حجة عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم[5]. لكن مالك قبله بشروط:
ذكرها ابن جزي الغرناطي في تقريب الوصول[6]، وهي:
- أن يكون الراوي حين السماع مميزاً، سواء كان بالغاً أو غير بالغ؛
- وأن يكون عند التحديث عاقلاً بالغاً مسلماً عدلاً؛
- والعدالة هي اجتناب الكبائر وتوقي الصغائر واجتناب المباحات القادحة في المروءة؛
فالصحابة كلهم عدول وتثبت العدالة بالاختبار أو التزكية واختُلِف هل يكفي في التعديل والتجريح واحد أم لا؟ ولا تقبل رواية الفاسق ومجهول الحال..
واختُلِف في قبول رواية المبتدع
- ومنها أن يكون الراوي فقيهاً، اشترطه مالك، خلافاً لغيره؛
- ومنها أن لا يثبت كذب الخبر بمخالفته لما علم بالتواتر أو الضرورة أو الدليل القاطع، أو أن يكون شأنه أن يتواتر ولم يتواتر؛
- ولا يقدح في الرواية تساهل الراوي في غير الحديث؛
- ولا جهله بالعربية، ولا مخالفة الناس لروايته؛
- ولا كون مذهبه على خلاف روايته..
——————————
1. تقريب الوصول إلى علم الأصول، لأبي القَاسـم مُــحمــَّــد بن أحمد بن جُـــزَي الكَلْبي الغــَرنــَاطي المـَـالَـكِـي، بدون ت، ط، ص: 80.
2. نظم المتناثر من الحديث المتواتر، لمحمد بن جعفر الكتاني، دار الكتب السلفية للطبع والنشر، ط2، بدون تاريخ، ص: 13.
3. تقريب الوصول إلى علم الأصول، لأبي القَاسـم مُــحمــَّــد بن أحمد بن جُـــزَي الكَلْبي الغــَرنــَاطي المـَـالَـكِـي، بدون ت، ط، ص: 81.
4. شرح تنقيح الفصول، 278.
5. ينظر شرح تنقيح الفصول، 278.
6. تقريب الوصول إلى علم الأصول، ص: 81-82.
أرسل تعليق