Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

مخافة الله أس الإيمان

قال الله تباركت أسماؤه: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” [فاطر، 28] وقال:”وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى” [النازعات،  39-40].

شغل تفكيري منذ زمن غير يسير البحث عن الصفة التي تحفظ للإنسان توازنه وثباته واستقامته في دروب الحياة المختلفة ومراحلها، فلم أجد أعظم ولا أنفع ولا أنجع لهذا الغرض من مخافة الله.

الخوف من الله تبارك وتعالى أصل كل خير، وسر كل صلاح واستقامة. إنه الدواء والبلسم لمن طغى وآثر الحياة الدنيا، وأسر الهوى قلبه. إنه البداية الصحيحة لارتحال القلب وسيره إلى الله. قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ “.

الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم  ضلوا.

قال أبو سليمان: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب.

وأن تخاف الله –أخي الكريم- ليس كخوفك من مخلوق؛ لأن خوفك من المخلوق راجع إلى اتقاء أذاه… لأنه يجرح إنسانيتك، ولكن خوفك من الله يرتفع بإنسانيتك،  فكلما خفت من الله أكثر، أحببته أكثر وتقربت إليه أكثر.

خوف الله إذا سكن القلب أحرق مواطن الخلل فيه، وطرد منه الاستخفاف بأوامر الله وحدوده والجراءة عليها…

وكيف لا يكون هذا الوصف على هذا القدر من الأهمية، وقد مدح الله به أنبياءه ورسله، فقال: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِوَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” [الاَنبياء، 89] وقال: “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ” [الرعد، 23].

ووبخ الغافلين على غفلتهم فقال على لسان نبيه: “مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا” [نوح، 13]: أي ما لكم لا تهابون جلاله وعظمته.

والخوف من الله هو الذي منع ابن آدم الأول أن يقتل أخاه: “لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ” [المائدة، 30] وهو أبرز صفات جيل النصر والتمكين: “فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الاَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ” [ابراهيم، 16- 17].

وبين القرآن أن التشخيص الصحيح لحال كثير من الجفلى والمذبذبين هو عدم الخوف من الآخرة، فليس العبرة بمعجزة أو آية يرونها، “كَلاّ بَلْ لا يَخَافُونَ الاَخِرَةَ” [المدثر، 52].

ومخافة الله هو ثمرة المعرفة الراسخة العميقة بالله، والمعرفة لاتحصل إلا بدوام الفكر، والفكر لا يصفو ولا يسمو إلا بالذكر، ولايثمر الذكر والفكر إلا بالتعلق بالحقائق، والعزوف عن العلائق، ولاسبيل إلى ذلك إلا بالصبر عليها، ولا صبر إلا بالخوف والرجاء، ولذلك قالوا: من عرف الله خافه، ومن خافه سخت نفسه عن كل الأماني والمشتهيات. وكان بعض الصالحين يقول: سبحانك، عجبا لمن عرفك كيف لا يخافك؟ وروي أن دمعة من خشية الله تطفئ بحارا من الذنوب.

وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ جَثَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ، قَالَ: فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانِي، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ، فَأَعِدُّوا.

واستمع إلى أنات الخائفين في نواشئ الأسحار وسكون الليل:

كم قد زللت فلم أذكرك في زللي               وأنت يا سيدي في الغيب تذكرني
كم أكشف الستر جهلا من معصيتي               وأنت تلطف بي حقا وتسترني
لأبكين بدمع العين من أسف                           لأبكين بكاء الواله الحزن

روى الأصمعي قال: خرجت إلى حج البيت الحرام، فبينما أنا أطوف حول الكعبة وإذا بصوت أنين وخنين وبكاء، فتبعت الصوت وإذا بشاب حسن الوجه ظريف الشمائل متعلق بأستار الكعبة يقول: يا سيدي ومولاي، قد نامت العيون، وغارت النجوم وأنت حي قيوم، إلهي غلقت الملوك أبوابها، وقام عليها حجابها وحراسها، وبابك مفتوح للسائلين، فها أنا ببابك، أنظر برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم أنشد:

ألا أيها المأمول في كل حاجة        شكوت إليك الضر فاسمع شكايتي
ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي     فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
فزادي قليل ما أراه مبلِّغي                  أ الزاد أبكي أم لبعد سفرتي
أتيت بأعمال قباح ردية              فما في الورى خلق جنى كجنايتي
أتحرقني في النار يا غاية المنى         فأين رجائي منك أين مخافتي؟

هذه مخاوف المؤمنين، وحال المنيبين، فانظر -أخي الكريم- إلى حالك في أي ديوان أنت؛ لأن الخوف والرجاء يكون على قدر الإيمان، وإياك أن تغتر برسم الإيمان ودعواه إن لم يؤثر في خوفك ورجائك، فإن الموجود غير المؤثر كالمعدوم. الموجود غير المؤثر كالمعدوم، من ثمارهم تعرفونهم- الإنسان الذي لا يتزود من دينه وإيمانه الخوف من الله والإنابة إليه ما يصنع به؟
امتحن نفسك إن ادعت الخوف من الله، فإن للخوف آثارا في الجوارح يكفها عن المعاصي، ويقيدها بالطاعات، وله آثار في القلب بالتذلل والافتقار والخشوع والاستكانة إليه.

وقد يسأل سائل مم يخاف المؤمن؟ فنقول: قد يكون خوف المؤمن من تعجيل العقوبة في الدنيا، وقد يكون من الموت وسكراته، وقد يكون من السؤال، وقد يكون من هول المطّلع، وقد يكون من الأهوال الفظيعة في عرصات القيامة، وقد يكون من الحساب، وقد يكون من الصراط، وقد يكون من حياء العرض على الله، وقد يكون من الفضيحة على رؤوس الأشهاد، وقد يكون من حرمان الجنة ودار النعيم المقيم، وقد يكون من الكبائر التي قارفها، وقد يكون من شدة شهوته وغضبه، وقد يكون من المكر بالنعمة والاستدراج بها، وقد يكون من غرغرة الموت قبل التوبة، وقد يكون من القسوة والزيغ بعد الثبات، وقد يكون من سوء الخاتمة.

واعلم أن الكاملين من العباد يخافون مما ذكرنا جميعا، وأن الله تعالى يتولى رياضة قلوبهم في كل وقت وآن بعواطف الرغبة والرهبة، وأشد ما يخافون منه ساعة الوقوف بين يدي الله، ومصيبة الإعراض والمقت، نسأل الله العافية.

التعليقات

  1. سارة قرقور

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيكم أستاذي الفاضل عشاق على هذا المقال المفيد الرائع …. نعم، إن "الخوف والرجاء يكون على قدر الإيمان"…. .

    جزاكم الله خيرا أستاذي
    وكل عام وأنتم بخير

  2. najat

    السلام عليكم
    بارك الله فيكم رأس الحكمة مخافة الله.

  3. الحــــــــســـيــــن أبـــو خالــــد

    بسم الله الرحمن الرحيــــــــــــــــــــــــــم
    السلام عليك ياعشاق مجالس الإيمان، ورحمة الله وبركاته لك ولكافة الإخوان، في أفضل أيام السنة وخير الأزمان، أحييك مع محبة قبل وبعد هذا البيان، (…ولمن خاف مقام ربه جنتان، فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إنــــه تذكير من الرحمن، الذي علم القرآن، وخلق الإنسان وعلمه البيان، هذا الإنسان، أخي الفاضل الذي تساءلت عن الصفة التي تحفظ له توازنه بقولك:
    […الصفة التي تحفظ للإنسان توازنه وثباته واستقامته في دروب الحياة المختلفة ومراحلها،،،،] ووضعت سبابتك على موضع الألم بالإشارة ـ غياب الخوف من الله وخشيته سبحانه ـ ولأن صلاح هذا الإنسان لا ولن يتحقق إلا [ بخوف ورجاء ] خطان متوازيان من حاد عنهما: ضل وتاهت به المسالك، وقد ختمت مقالك بدعاء جميل [ نسأل الله العافية ] وهل هناك أفضل منها ؟؟؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه لنا قوله مرشدا: (وإذا سألتم الله فاسألوه العفو والعافية )، واستدركت أخي، عبد الحميد، لتجيب على سؤال: كيف يمكن إصلاح حال هذا الإنسان؟ بقولك:
    [… الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم ضلوا….]
    وأشاطرك تذكيرك مؤكدا على أن صلاح الإنسان، صلاح لكل ما حوله، وفساد الإنسان فساد لكل ما يحيط به !!!! ونعم ما فعلت أن ذكرت، جزاك الله خيرا، بهذه الصفة التي غابت عن واقعنا شيئا ما [ فأخوك من ذكرك إذا نسيت ، ومن أعانك إذا ذكرت ] ينتفع بالذكرى المومنون [من العلماء: وخيرهم من يخشى الله […] ومن العامة: وخيرهم وأفضلهم من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، واتقى وصدق بالحسنى ] وأغتنم فرصة اقتراب يوم الأضحى والتضحية لأهنئك وأبارك وألتمس منك تقديم أحر التهاني لأخينا الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء ولجميع الإخوة الأعضاء، راجيا للجميع أن يمتعهم الله تعالى ب[ صفة خشيته ] وبكامل الصحة والعافية وأن يجعل هذه المناسبة ويعيد أمثالها بالصحة والخير والنصر والتمكين لحامي هذه الأمة دينا ودنيا، والراعي لمصالحها بلادا وعبادا.
    … / والسلام عليكم ورحمة الله

  4. عبدالله الإدريسي

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    جزاكم الله خيرا أخي عبد الحميد عشاق على هذه المداخلة القيمة، وهذا ليس بغريب عنك علما أم إيمانا، بالفعل إن مخافة الله هي نبراس للسالكين إلى الله ومحبته، بها يستنيرون لبلوغ أعلى مراتب الإيمان في خضم ظلمات الدنيا الفانية، من غابت مخافة الله عن قلبه وعقله مصيره تيه وضلال، بل مخافة العباد والظلام تهد كيانه وتنخر بقايا الإيمان في قلبه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سبل مخافته والشوق إلى لقياه، آمين آمين يا رب العالمين…

  5. علي بن محمد

    بسم الرحمان الرحيم
    لقد ألهبت يا عبد الحميد مشاعرنا وأيقظت قلوبنا وبثت حب الله في كياننا فشكر الله صنيعك وجعل مقامك محمودا
    والشكر موصول لطاقم الموقع وللمشرفة على الجريدة وطاقمها
    والحمد لله رب العالمين

أرسل تعليق