مبدأ اللزوم ومراتب الدلالة.. (5)
اللزوم التداولي، الإشارة والمفهوم نموذجا:
1. دلالــة الإشــــارة
الإشارة في اللغة هي التنبيه على المحسوس المشاهد باليد أو غيرها، وسميت بها إحدى الدلالات اللفظية؛ لأن السامع لشدة إقباله على ما سيق الكلام من أجله يغفل عما يتضمنه الكلام مما لم يسق له، فتنبهه هذه الدلالة وتشير إلى تلك المعاني”[1].
أما في الاصطلاح فهي “ما يلزم من غير صريح الصيغة ولم يكن مقصودا للمتكلم“[2]، أو هي دلالة اللفظ على معنى “ليس مقصودا منه بالأصل بل بالتبع، مع انه لم تدع إليه ضرورة لصحة الاقتصار على المذكور دون تقديره”[3].
وعرفها محمد الأمين الشنقيطي في مذكرته بكونها: “دلالة اللفظ على معنى ليس مقصودا باللفظ في الأصل، ولكنه لازم للمقصود فكأنه مقصود بالتبع لا بالأصل”[4].
من خلال هذه التعاريف مجتمعة يتضح أن اللازم الإشاري يختص بالأوصاف التالية:
– أنه لازم مضمر؛
– أنه لازم متأخر أي انه معنى تابع لمدلول اللفظ؛
– أنه لازم غير مقصود..
غير أن ما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام، أن ما ذهب إليه الأصوليون من وصف اللازم الإشاري بعدم القصد من لدن المتكلم يتوجه عليه الاعتراضان التاليان:
أ. انه يمتنع وصف لوازم كلام الشارع بعدم القصد، كيف ذلك وهو عالم بكل لوازم الكلام، فضلا أنه لا يمكن بناء أحكام شرعية على لوازم لا يقصدها الشارع، ومضمون هذا الاعتراض نجده محررا على لسان الصنعاني حيث قال: “اعلم أن جعلهم اللازم في دلالة الإشارة غير مقصود للمتكلم محل نظر، وكيف يحكم على شيء يؤخذ من كلام الله أنه لم يقصده تعالى وتثبت به أحكام شرعية؟ ومن أين الإطلاع على مقاصد علام الغيوب، فإن أرادوا قياس كلامه على كلام العباد، فإنه قد يستلزم كلامهم ما لا يريدونه ولا يقصدونه ولا يخطر لهم ببال، ولذا جزم المحققون بأن لازم المذهب ليس بمذهب لأنه لا يقطع بأنه قصده قائله بل يظن، وكذلك التخاريج على كلام أئمة العلم لا تكون مذهبا لمن خرجوه عنه، وذلك لقصور البشر، وأنه لا يحيط علمه عند نطقه بلوازم كلامه قطعا ولا يقصده بخلاف علام الغيوب، فهو يعلم بلوازم كلام العباد وما تطلقه ألسنتهم وما يكنه الفؤاد، فكيف ما يتكلم عز وجل به“[5].
ب. أن اللازم الإشاري يتقوم بكونه لازما مقاميا ( تداوليا)، ولا يمكن أن تكون الدلالة مقامية من غير أن تكون مقصوده، فسائر الدلالات المستندة إلى المقام والمنضبطة بقواعد التخاطب لا تنفك عن القصدية، كما “أن اللازم الإشاري لا يكون مقصودا في نفسه فحسب كسواه من اللوازم غير الإشارية، بل يكون هو الأصل في اغتناء القصد، إذ هو الذي يفتح فيه آفاقا وطبقات، فالإشارة لاغية بغير قصد، والقصد فقير بغير إشارة“[6].
ومن أمثلة دلالة الإشارة قوله تعالى: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” [البقرة، 231]. فالنص يوجب بمنطوقه نفقة الوالدة المرضع على الوالد في حال الطلاق. ويدل إشاريا على المعنيين التاليين:
– لا ينافي الطلاق حق إرضاع الوالدة لولدها؛
– لا يتنافى الطلاق مع إنفاق الوالد على الوالدة المرضعة..
يتبع في العدد المقبل..
—————————————
1. دلالة الالتزام وأثرها في الأحكام، أبوه ولد اطراح، ص: 152 .
2. منتهى الوصل والأمل، ابن الحاجب، ص: 147.
3. نشر البنود على مراقي السعود، 1/93.
4. مذكرة في أصول الفقه، ص: 283 .
5. إجابة السائل، ص: 238.
6. اللسان والميزان، ص: 107.
أرسل تعليق