مبدأ اللزوم ومراتب الدلالة.. (4)
تنبني دلالة الاقتضاء على أركان ثلاثة: الركن الأول: الحامل على التقدير والزيادة، وهو المقتضي؛ والركن الثاني: المعنى المقدر المزيد وهو المقتضى؛ والركن الثالث: الدلالة على أن الكلام لا يستقيم إلا بهذا التقدير وهذه الزيادة، وهي فعل الاقتضاء.
وتنضبط دلالة الاقتضاء بالمعيار التخاطبي[1] التالي:
إن “المقتضى” يبقى ثابتا أو قل محفوظا في بنية القول رغم تقلب أساليب الكلام عليه.
فإن أخذنا النفي مثلا وهو من أساليب الكلام، فإن القول ونقيضه (أي المقتضي ونقيضه) يستلزمان معا معنى واحدا هو المقتضى، ويتضح ذلك بالمثال التالي: اشترى زيد كتابا: (المقتضي)؛ لم يشتر زيد كتابا (نفي المقتضي)؛ يوجد هناك كتاب (المقتضى).
فإن القولين الأولين يلزم عنهما المعنى الثالث الذي يبقى محفوظا في حالة الإيجاب وفي حالة السلب.
ومثال آخر وهو قوله تعالى: “اِرَمَ ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد“[الفجر، 7-8]، فالآية تدل بمنطوقها أن “إرم” منقطعة النظير، ومن مقتضيات هذا القول أن “إرم” مدينة كانت موجودة، فلو أدخلنا النفي على القول الأول لحصلنا على ما يلي: “إرم” كانت مدينة موجودة وغير منقطعة النظير. فالمقتضى هنا بقي محفوظا رغم نفي المقتضي، بمعنى أن القول ونقيضه لهما نفس المقتضى.
وختاما لابد من التأكيد على أن الاقتضاء رغم اندراجه في باب اللزوم الدلالي، فإن الغالب فيه عند الأصوليين كونه يرتبط بالمقام، أي أنه بالأساس اقتضاء تداولي، بل وجدنا منهم من اعتبر المقام محددا أساسيا له. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: “اعلم أن دلالة الاقتضاء لا تكون أبدا إلا على محذوف دل المقام عليه، وتقديره لابد منه، لأن الكلام دونه لا يستقيم لتوقف الصدق أو الصحة عليه“[2].
يتبع في العدد المقبل..
——————————————
1. اللسان والميزان، طه عبد الرحمان، ص 113، حيث عرف الاقتضاء بأنه “استلزام القول لمعنى تابع للمعنى العباري من غير توسط دليل ومع توقف فائدة القول عليه“، ص: 108.
2. مذكرة في أصول الفقه، ص: 282 .
أرسل تعليق