مبدأ اللزوم ومراتب الدلالة.. (2)
2. البنية اللزومية للدلالة
أورد الشريف الجرجاني في تعريفاته حدا جامعا للدلالة جاء فيه: “الدلالة هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول“[1].
من خلال هذا التعريف يتضح أن الدلالة تقوم على نسبة بين شيئين الأول يسمى الدال والثاني يسمى المدلول، وهذه النسبة تتخذ صورة معينة هي صورة اللزوم الذي يتميز كما رأينا بكونه علاقة تربط بين أمرين. وإذا كان الأمر كذلك أمكن القول إن مفهوم الدلالة آيل في الاعتبار إلى مفهوم الاستدلال، إذ يستندان معا إلى الوصف اللزومي، وهو ما حذا بالباجي إلى المطابقة بين الدلالة والدليل حيث قال: “والدلالة هي الدليل”[2].
وهي قسمان: دلالة لفظية ودلالة غير لفظية.
فالأولى هي “إما وضعية مثل دلالة الألفاظ الموضوعة على معانيها، أو عقلية كدلالة اللفظ على وجود لافظ يقوم به، أو طبيعية كدلالة “أح” على وجع الصدر أو السعال“[3].
والثانية هي كذلك “إما وضعية كدلالة الكتابة على الألفاظ ودلالة الإشارة على نعم أو لا، أو عقلية كدلالة المصنوعات على صانعها، أو طبيعية كدلالة حمرة الوجه على الخجل وصفرته على الوجل“[4].
والقسم الأول أي الدلالة اللفظية الوضعية هو الذي استأثر بالنظر الأصولي؛ لأن مناط هذا النظر هو الخطاب الشرعي ( نصوص الكتاب والسنة) وكيفية استفادة الأحكام منه، والألفاظ كما هو معلوم وسيلة الشارع في تبليغ الأحكام، كما أنها وسيلة الأصولي في الوقوف على هذه الأحكام.
وللدلالة اللفظية وجوه حصرها منطقيو وأصوليو الإسلام في ثلاثة هي:
1. دلالة المطابقة؛
2. ودلالة التضمن؛
3. ثم دلالة الالتزام..
يقول القرافي: “ولها ثلاثة أنواع: دلالة المطابقة وهي فهم السامع من كلام المتكلم كمال المسمى، ودلالة التضمن وهي فهم السامع من كلام المتكلم جزء المسمى ودلالة الالتزام وهي فهم السامع من كلام المتكلم لازم المسمى”[5].
يتبين إذن أن دلالة المطابقة هي استعمال اللفظ في كامل معناه، أي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له كدلالة “الإنسان” على “الحيوان الناطق“، ولاشك أن بين لفظ “الإنسان” ومعنى “الحيوان الناطق” علاقة لزومية تتصف بكونها طردية وعكسية، أي أنه يلزم عن “الإنسان” معنى “الحيوان الناطق” كما يلزم عن الحيوانية والناطقية معنى الإنسانية.
أما دلالة التضمن فهي دلالة اللفظ على جزء معناه الذي وضع له كأن يستعمل لفظ البيع للدلالة على الإيجاب فقط او أن يستعمل لفظ الصلاة للدلالة على الركوع فقط أو أن يستعمل لفظ الإنسان للدلالة على الحيوان فقط، فلفظ “إنسان” تلزم عنه الحيوانية، بينما لا تلزم الإنسانية عن لفظ الحيوان بالضرورة، إذ كل إنسان حيوان وليس كل حيوان إنسانا، وعليه فالعلاقة اللزومية التي تنبني عليها دلالة التضمن علاقة تقبل الطرد ولكنها لا تقبل العكس.
وأما دلالة الالتزام فهي استلزام اللفظ لمعنى خارج عن المضمون الموضوع له في الأصل، ولكنه معنى لازم لهذا المضمون سواء أكان هذا اللزوم ذهنيا كدلالة الأربعة على الزوجية أو خارجيا كدلالة الإنسان على الضاحك أو ذهنيا وخارجيا كدلالة المخلوق على الخالق..
يتبع في العدد المقبل..
—————————————————
1. التعريفات، ص: 104، ط 1، 1983، دار الكتب العلمية، بيروت.
2. المنهاج في ترتيب الحجاج، ، ص: 11، مرجع سابق.
3. منهج الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي عبد الحميد العلمي، ص: 162، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، 2001.
4. نفسه.
5. شرح تنقيح الفصول، ص 24، وانظر تقريب الوصول لابن جزي، ص: 53.
أرسل تعليق