مالك بن المرحَّل السبتي
يكتسي الأدب العالي قيمة ثقافية واجتماعية كبرى إذا ما أحسن استثماره عبر الدراسة والتحقيق والنشر والتحيين. وكم هي رائعة النصوص الأدبية الخالدة التي أنتجت فوق تراب مغربنا المبارك فأثرت في الناس، وساهمت في تهذيب الذوق وفي الحث على مكارم الأخلاق، وهذه لا محالة هي الرسالة الحقيقية للأدب باعتباره أبعد ما يكون عن الترف وأقرب إلى هموم الناس والمجتمع؛ وهو أيضا دال على مدى التحضر وتجذره في المجتمعات..
من هنا يكتسي التعريف بالأدب العالي والأدباء قيمة علمية وحضارية كبرى، وقد مر معنا في هذه السلسلة الحديث عن أبي المطَرِّف بن عَميرة، وأبي جعفر بن عطية، وابن الياسمين الفاسي، وابن دِحية الكلبي، وابن سِيدة المرسي، واستمرارا في التعريف بالأدب المغربي وإسهامه في تشكيل الثقافة المغربية والإنسانية نقف في هذه الحلقة مع الأديب السبتي الكبير مالك بن المرحَّل..
يقول الأستاذ إسماعيل الخطيب في كتابه “الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع[1]: “هو أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن ابن فرج بن أزرق بن منير بن سالم بن فرج ابن المرحل السبتي”، وقد اعتمد الخطيب على “درة الحجال في أسماء الرجال لابن القاضي، ترجمة 915، طبعة دار التراث بمصر) وكتاب “سلوة الأنفاس” لمحمد بن جعفر الكتاني (3: 99)…
يضيف الأستاذ الخطيب أن مالك بن المرحَّل ولد بمالقة سنة 604هـ، وانتقل في سن مبكرة إلى سبتة؛ لذلك نسب إليها.. ويستدل إسماعيل الخطيب بشكل طريف على هذا الانتقال المبكر لسبتة من طرف صاحبنا ابن المرحل، بحيث يقول في (هامش الصفحة 333 من كتابه المذكور) أنه “نظرا لكون ابن المرحَّل لم يذكر متى رحل إلى سبتة، ونظرا لأنه نشأ خاملا خفي المنزلة ( كما يقول عبد الله كنون في كتابه عن ابن المرحل: ص: 6) فإننا لا نعرف متى رحل إليها، ويذكر صاحب “جذوة الاقتباس” (ص: 225) أنه كتب صداقا نظما لبعض العَزَفيين وسنُّه أربع وعشرين سنة، فيكون قد دخلها قبل هذا السن بسنوات حتى تبوأ منزلة تسمح له بكتابة صداق لبعض العزفيين”.
لاشك أن مالك ابن المرحل قد نهل من حلقات العلم والتدريس بحاضرة سبتة، كما أنه أخذ بإشبيلية ومالقة وفاس، ونذكر من شيوخه: أبو الحسن الدبّاج الذي قرأ عليه القرآن بالسبع، وأبو علي الشلوبين من أكابر علماء النحو بإشبيلية، أخذ عنه علم العربية كما في “غاية النهاية” للإمام الجزري؛ وأبو جعفر أحمد بن علي بن الفحام، أخذ عنه القراءات بمالقة؛ وأبو القاسم بن بقي أحد أعلام إشبيلية الكبار، كما أخذ بفاس عن عالمها الكبير أبي زيد عبد الرحمن اليزناسني، وكان من كبار علماء المذهب المالكي ومبرزا في أصول الفقه..
وقد أخذ عن مالك بن المرحل تلاميذ كثر بمدينة سبتة نذكر منهم: محمد بن عبد الملك الأنصاري صاحب “الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة”، وقد أورد فيه (1: 331): “وأنشدني شيخنا أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن المالقي عفا الله عنه بسبتة حرسها الله”؛ وأحمد بن عبد الله الأنصاري المعروف بالرصافي، نقل ابن القاضي في “درة الحجال في أسماء الرجال” (1: 33، طبعة مصر) قوله: “أخبرني بمدينة سبتة شيخي أبو الحكم مالك بن المرحل”؛ ومحمد بن يوسف بن إبراهيم الأمي المعروف بابن مشون، نزيل ألمرية، رحل إلى سبتة وأخذ بها عن صاحبنا ابن المرحل؛ و محمد بن محمد بن إدريس القللوسي، من أهل سبتة وبها كانت قراءته على أعلامها ومنهم مالك ابن المرحل؛ وإبراهيم بن موسى الغافقي، ذكر العلامة النباهي في “تاريخ قضاة الأندلس” (ص: 133) أن أبا إسحاق (الغافقي) أخذ عن علماء سبتة منهم الأديب الفرضي أبي الحكم مالك بن المرحل”، وأخذ عنه أيضا أحمد بن محمد بن علي الزواوي مقري بقسنطينة. قال الجزري في “غاية النهاية”: “قرأ على إبراهيم بن أحمد الغافقي وعلى بن سليمان بن أحمد ومالك بن المرحل، روى القراءة عنه أحمد بن مسعود بن الحاجة التونسي لقيه سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بقسنطينة”، كما أخذ عنه ابنه محمد بن مالك بن المرحل، وكان إماما في الشروط..
تلقى مالك بن المرحل تعليمه بإشبيلية وفاس وسبتة، واشتغل بالتوثيق بحاضرة سبتة، وبقي بها مدة، عرف فيها فضله وعلمه، ونفض خلالها عن نفسه غبار خمول الذكر بتعبير إسماعيل الخطيب في كتابه “الحركة العلمية بسبتة خلال القرن السابع”، ويضيف إسماعيل الخطيب أنه “لما كان عليه من علم وخلق فقد قدم للتوثيق، وفي أثناء هذه الفترة رحل إلى فاس، فأخذ عن بعض مشايخها، وهكذا تكونت لديه حصيلة علمية في العلوم الشرعية عامة والأدبية خاصة حتى صار أديب الغرب الإسلامي خلال الفترة التي نكتب عنها بلا منازع.. وتولى القضاء بجهات غرناطة ثم عاد إلى سبتة واستقر بها، ثم نجده بفاس سنة 662 بفاس كاتبا للأمير أبي مالك بن أمير المسلمين يعقوب (المريني)، وعاد بعد ذلك إلى لسبتة وأقام بها ليعود ثالثة إلى فاس ويظل بها إلى الوفاة”..
خلف مالك بن المرحل آثارا علمية كثيرة في فنون المعرفة المختلفة غالبها منظوم، لكن الأدب غلب عليه. وأغلب مؤلفاته اليوم في حكم المفقود خصوصا في مجال الأدب نذكر منها: نظم الفصيح لثعلب، وهي أرجوزة سماها “الموطأة”، تقع في نحو 1300 بيت، توجد منها نسخ عديدة مخطوطة في المكتبات العامة والخاصة، وطبعت بالمطبعة الحجرية ضمن مجموع المتون، وشرحها ابن الطيب محمد الفاسي في مجلدين بعنوان “الأزهار الندية”، كما ترك ابن المرحل أرجوزة في “النحو” وأخرى في “العروض”، وكتاب “الواضحة”، وهو نظم في الفرائض، و”التبيين والتبصير في نظم كتاب التيسير” وهي قصيدة طويلة في أزيد من 2000 بيت (كما في غاية النهاية لابن الجزري (2: 36))، وقد عارض فيها الشاطبية في علم القراءات وزنا وقافية، وله أيضا “نظم اختصار إصلاح المنطق لابن العربي”، وله أيضا “نظم الثلث الأول من كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة”، وله أرجوزة “سلك النحل”، وقصيدة “اللؤلؤ والمرجان”، وله عروض الدوبيت، وهو كتاب بيَّن فيه القالب الشعري للدوبيت أو الرباعيات…
أما شعر مالك بن المرحل فالغالب عليه الزهد والمديح النبوي، ذكر إسماعيل الخطيب في كتابه سابق الذكر (ص: 338) منها: المعشرات النبوية، والمعشرات الزهدية، أما شعره في الأغراض الأخرى فمنها: “الجولات” وهو ديوانه الجامع حققه محمد مسعود جبران، و “الصدور والمطالع”؛ وأما كتاباته النثرية فمنها: شرحه على الموطأة، وله “الرمي بالحصى والضرب بالعصا” (توجد منه نتف أوردها العلامة كنون في “النبوغ المغربي”: 2:399 الطبعة 2) في الرد على ابن الربيع النحوي؛ وله كتاب الحلى، وترتيب كتاب الأمثال لأبي عبيدة على حروف المعجم…
ويتساءل الأستاذ إسماعيل الخطيب في كتابه المذكور (ص: 339) لِمَ اتجه ابن المرحَّل إلى النظم غالبا، وفي أغراض مختلفة كالنحو، والقراءات، والعروض وغيرها من أغراض.. ويرى “أن السبب واضح، وهو أولا ما هو معروف من سهولة حفظ المنظوم على الطالب، فابن المرحل ليسهل على الطالب تناول هذه المعارف، نظمها، وثانيا قدرته على النظم، وتتجلى في أن نظمه “متين خال من الحشو والتكليف، ضرورة أنه صادر عن قريحة شاعرة وملكة قادرة” كما قال عبد الله كنون في كتابه “مالك بن المرحل”، (ص: 8).
يقول بن الخطيب في “الإحاطة في أخبار غرناطة” (3: 307) عن شعر ابن المرحل نقلا عن ابن عبد الملك: “كان مكثرا من النظم، مجيدا، سريع البديهة مستغرق الفكرة في قرضه، لا يفتر عنه حينا من ليل أو نهار، شاهدت ذلك (ابن عبد الملك الذي شاهد وليس بن الخطيب)، وأخبرني (ابن عبد الملك الذي أخبِر) أنه دأب به، وأنه لا يقدر على صرفه من خاطره، وإخلاء باله من الخوض فيه، حتى كان من كلامه في ذلك أنه مرضُ من الأمراض المزمنة، واشتهر نظمه وذاع شعره فكلفت به ألسنة الخاصة والعامة، وصار رأس مال المسمعين والمغنين، وهجير الصادرين والواردين، ووسيلة المكدين وطراز أوراد المؤذنيين…” نعم، لقد تحول شعر ابن المرحل إلى ثقافة، كيف لا وهو الشعر النابع من الأعماق بعد طول نظر وتأمل، ولم يكن يقدر “أن يصرفه عن خاطره” بتلقائية شديدة تعبر عن الروح والوجدان والتأمل في كبريات الأمور بحثا عن قلوب وعقول الناس، وإصلاحا للمجتمع بعد أن يصير الشعر الهادف الرصين على ألسنة الخاصة والعامة بل ورأسمال الفنانين وأهل المديح ووردا للمؤذنين، وأعتقد أن رسالة ابن المرحل قد وصلت، ولازال تأثيرها في مغربنا المبارك إلى يوم الناس هذا، ولكن لا نفقه تسبيحهم…
تميز ابن المرحل بمجموعاته الشعرية في المديح النبوي والزهد ومنها: “الوسيلة الكبرى المرجو نفعها في الدنيا والأخرى” و “المعشرات النبوية” و”العشريات الزهدية”…
يقول ابن الخطيب في “الإحاطة في أخبار غرناطة: “شاعر المغرب وأديب صقعه وحامل الراية المعلم بالشهرة المثل في الإكثار الجامع بين سهولة اللفظ وسلالة المعنى وإفادة التوليد وإحكام الإختراع”، ويقول سيدي عبد الله كنون في “النبوغ المغربي في الأدب العربي”: “كان في عصره شاعر المغرب غير مدافع وأطبع شعرائه أسلوبا وأرشقهم لفظا وأبلغهم معنى استعان على ذلك بالمقاصد اللسانية لغة وبيانا ونحوا وعروضا وقافية وحفظا للجيد من الشعر واضطلاعا بمعرفة معانيه وتراكيبه”.
لقد كان مالك بن المرحَّل يقول شعرا هادفا وقصديا، منه ما كان يحشد به همم الناس وملوك الدولة المرينية حثا على الجهاد في الأندلس، وميميته الشهيرة أفضل تعبير على هذا الاتجاه خصوصا وأنها قد تليت في صحن جامع القرويين بعد صلاة الجمعة سنة 662هـ كما في “الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية” لابن أبي زرع (ط. 1972)، ص: 98-99، يقول مالك ابن المرحَّل:
اِسْتَنْصَرَ الدِّيـــنُ بِكُـمْ فَأَقْدِمُــــوا وأَسْرِجُـــوا لِنَصْــــــرِهِ وأَلْجِمُـــوا
لاَ تُسْلِمُـــــوا الإسْلاَمَ يا إِخْوانَنَا فـــإِنَّهُ إِنْ تُسْلِمُـــــــوهُ يُسْلَـــمُ
لاَذَتْ بِكُــــمْ أندَلـسٌ نــــــاشِدَةً بِرَحِــــــمِ الدِّينِ ونِعْــــــمَ الرَّحِمِ
واسْتَرْحَمَتْكُـــمْ فَارْحَمُـــوهَـا إِنَّهُ لا يَرْحَمُ الرَّحْمَنُ مَــــنْ لا يَرْحَمُ
مـــا هِيَ إِلاَّ قِطْعَــةٌ مِنْ أَرْضِكُــمْ وأَهْلُهـــــا مِنْكُـــمْ وأَنْتُــمْ مِنْهُـمُ
لكنَّهـــــا حُـــــدَّتْ بِكـــــلِّ كافِـــرٍ فالبحــــرُ مِنْ حُدُودِهــا والعَجَــمُ
لَهْفًــــا على أنْدَلُـسٍ مِنْ جَنَّـــةٍ دَارَتْ بهـــــا مِنَ العِــــــدَا جَهَنَّمُ
إلى أن يقول (الذخيرة السنية، ص: 100):
حَـــــدُّوا السِّلاَحَ وانْفِــــرُوا وسَارِعُوا إلــــى الــــذي مِن ربِّكـــمْ وُعِدْتُــمُ
إِنَّ أَمـــــامَ البحــــرِ مِـــنْ إخوانِكــمْ خَلْـــقًـــــا لَهُــــمْ تَلَفُّـــــتٌ إِلَيْكُـــمُ
وَنَحْوَكُــــــمْ عُيُونُهُـــــمْ نـــــاظِــــرَةٌ لا تَطْعَـــــمُ النَّـــوْمَ وكيــفَ تَطْعَـــمُ
والـــرُّوم قـد هَمَّتْ بِهِمْ ومــا لَهُــــمْ سِــــواكــــمُ ردَّا فــــأَيْــنَ الهِمَــــمُ
كُلُّهُــــمْ يَنْظُــــرُ فـــــي أطفــالِـــــهِ وَدَمْعُـــــهُ مِـــنَ الحِـــذَارِ يَسْجُــــمُ
أيـــنَ المفــــــرُّ لا مفَــــــرَّ إنَّمــــــــا هُــــوَ الْغِيَـــاثُ أَوْ إِسَـــــــــارٌ أَوْ دَمُ
والقصيدة موجودة في الذخيرة السنية لابن أبي زرع، ص: 98-99، وفي “النبوغ المغربي في الأدب العربي”، لعبد الله كنون، دار الكتاب العربي اللبناني، بيروت، ط 3، 1975م، 647.
في سياق آخر يورد بن الخطيب في “الإحاطة” ميمية لابن المرحل في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتتكون من ستة عشر بيتا، يقول فيها:
شـــوقٌ كمَـــا رُفعَت نــــارٌ على علـــمِ تشِــــبُّ بين ضُلـــــوع الضَّال والسَّلــمِ
ألُفُّـــــه بضلوعـــــي وهْـــــوَ يُحرقِـــــهَا حتَّى برانِـــــيَ بريـــــــاً ليسَ بالقلــــمِ
مـــنْ يشترينــــيَ بالبُشرَى ويملكُنــي عبـــداً إذا نظـــرتْ عينــــي إلى الحَرمِ
دعْ للحبِيــبِ ذمَامِــــي واحتملْ رمقِـي فلـــيْسَ ذا قدْم مــــن ليْـــس ذا قِــدمِ
يــــا أهـــل طِيبَة طــاب العيش عندكـمُ جـــــاورتمُ خيْرَ مبعــــــوثٍ إلَـــى الأممِ
عَاينتـــــم جنَّــــة الفِــردَوسِ عــنْ كثبٍ فـــي مهْبـــطِ الوحــي والآيَات والحكـمِ
لَنَتْــرُكَــــنّ لهَـــا الأوطــــــانَ خاليـــــــةً ونسلكــــــنَّ لَهـــا البيْداءَ في الظُّلــــمِ
رِكــابُنــــــا تَحمـــــلُ الأوزار مثقلـــــــــةً إلَــــــى محـطِّ خطـــايَا العُـــرْب والعَجَم
ذُنـــوبنــــا يـــــا رســـولَ الله قـد كثـرتْ وقــد أتينَـــــاكَ فـــاستغفــــــرْ لمُجتـرمِ
ذنــبٍ يلِيـــــه علَـــــى تَكْـــــرارِه نـــدمٌ فقَــــدْ مضَـى العُمر فِي ذنبٍ وفي ندمِ
نَبْكــــي فَتشغِلنَـــا الدُّنيـــا فتضحكُنَـــا ولَوْ صَدقْنــــــا البُكَا شِبْنا دمــــاً بــــدمِ
يـــــا ركبَ مصــــرَ رويداً يلتحِـــقْ بكــمُ قـــــومٌ مَغاربـــــــةٌ لحــمٌ علَى وضـــمِ
فِيهــــمْ عبَيْدٌ تسُـــــوقُ العِيــسُ زفرتهُ لمْ يلــــقَ مولاه قد نــــادَاه في النَّسَمِ
يبغِي إليـــــهِ شفيعــــاً لا نظيــــرَ لـــهُ في الفَضْلِ والمَجْـــدِ والْعلْيــــاءِ والْكرمِ
ذَاكَ الحبيــــبُ الَّذي تُرجَــــى شفاعتهُ مُحمَّــــدٌ خيْـــــرُ خلــــقِ الله كلهِّــــــمِ
صَلَّـــــى عليْهِ إلَهُ الخَلــقِ مــــا طلَعتْ شمـــسٌ ومَا رُفِعَتْ نـــــارٌ عَلَى عَلــمِ
ثم يقول رحمه الله:
شهـــــدَ الإلَــــهُ وأنتِ يا أرضُ اشْهدِي أنَّـــا أجَبْنـــــا صرخــــــةَ المُسْتنْـــجــدِ
لَمَّا دعَـــــا الدَّاعِـــــــي وردَّدَّ مُعلنــــــاً قُمْنـــــــا لنُصْرتِــــــه ولــــــمْ نتَـــــــرَدَّدِ
ومعلوم أنه قد شاع في شعر الأندلسيين المتصوفة منهم على الخصوص استخدام لازمة “صلوا عليه وسلموا تسليما” عقب كل بيتين، من ذلك قول صاحبنا مالك بن المرحل السبتي (كما في مالك بن المرحل أديب العدوتين” للدكتور محمد مسعود جبران، أبو ظبي، المجمع الثقافي، 2002م، ص: 354):
ألـــــفُ: أجــــل الأنبـيـــــاء نبـــــي بضيــــــائه شمس النهــــار تضيء
وبه يؤمــــل كــل محسن ومسيء فضـــــلا من الله العظيــم عظيمـــا
صلّـــــوا عليه وسلمــــــوا تسليما
سيـــــنُ: ســلام كالنفيس تنفسا وقد اجتنـــــى وَردا وصافح نرجسـا
أهدى إليه في الصباح وفي المسا بقصائـــــد كـــــادت تكـــون نسيما
صلّـــــوا عليه وسلمــــــوا تسليما
شيــنُ: شمائلـــه الكريمة تعطش من كـــان من سكر المحبة يرعش
لكــن أضــــاع العمـــر فيمـا يوحش فغــدت ندامتــــه عليــه نديمـــــــا
صلّـــــوا عليه وسلمــــــوا تسليما
صــاد: صفـــي للإلــــــه ومخلــص ومـقــــرب ومفـضـــــــل ومخصـــص
ذهـــب سبيــــك وزنـــــه لا ينقص قد طـــــاب خيما في الورى وأرومـا
وشعر “العشرينيات” هذا مبني في كل وحدة من وحدات حروفه الثمانية والعشرين على عشرين بيتا، يبتدئ كل بيت منها وينتهي بالحرف نفسه، وكذلك المعشرات، وكلاهما ضرب من الشعر الأندلسي المستحدث، كان من أبرز شعرائه في الأندلس، الفازازي وصاحبنا مالك بن المرحل….
قال الإمام الجزري في “غاية النهاية في طبقات القراء”: “مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن أبو الحكم المالقي المعروف بابن المرحل أديب زمانه بالمغرب وإمام وقته(..)، قال الذهبي وقفت له على قصيدة أزيد من ألفي بيت لامية نظم فيها التيسير بلا رموز، توفي سنة 699هـ عن خمس وتسعين سنة ولم يختل عليه من علم ولا من نظم حتى مات، ودفن بباب الجيسة، وآخر ما قال يوم موته وأمر أن يكتب على قبره:
زر غريبـــــاً بمغــــرب نازحاً مالـــــه ولــــي
تركـــــوه موســــــــدا بيــــن تـــرب وجنـدل
ولتقـــــل عند قبــــره بلـســــان التـذلـــــل
رحــــم الله عـبــــــده مــــــالك بن المرحـل
رحم الله مالك بن المرحل السبتي وجازاه عن المغرب والإنسانية خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه…
———————————–
1. منشورات جمعية البعث الإسلامي، تطوان 1986، ص: 333.
أرسل تعليق