لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ
- ذ. أحمد أيت المقدم
- عضو المجلس الأكاديمي للرابطة
الإسلام دين الطهر والعفاف دين العدل والإنصاف، دين كامل وتشريع عادل ومنهج رباني فطري يراعي الفطرة الإنسانية، وسطي يحقق التوازن بين مصالح الفرد والأسرة والمجتمع.
والمجتمع المسلم مجتمع الرحمة والمؤاخاة والتعاون على البر والتقوى، والنساء في الإسلام “شقائق الرجال”[1]، “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ” [البقرة، 228] جاء الإسلام بالمساواة بين الرجال والنساء إلا فيما تختلف فيه طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة ذلك أن للمرأة طبيعتها ووظيفتها، ومن رحمة الإسلام بالنساء مراعاة هذه الطبيعة الأنثوية والوظائف الفطرية، وتحقيق التوازن بين حقوق المرأة وواجباتها وتهيئة الجو لها لتقوم بمهمتها ودورها المنشود كزوجة وأم.
إن المساواة المطلقة بين الجنسين مكلفة ومرهقة، بل هي مطلب ظالم ليس من مصلحة المرأة ولا من مصلحة الأسرة، ولا من مصلحة المجتمع، فضلا عن كون تلك المساواة غير ممكنة؛ وهل يطيق الرجل القيام بأعباء المرأة ومسؤولياتها؟ وهل تطيق المرأة ما يتحمله الرجل من كد ومشقة؟؟ إذاً فلماذا تطمح بعض النساء إلى تمني ما للرجل من خصائص وسمات؟ قال تعالى: “وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْالُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” [النساء، 32].
إن المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء أمر غير غريب على الإسلام بل إن بوادر هذا الأمر بدأت منذ نزول الوحي، فقد جاء في إحدى الروايات عن أسباب نزول الآية 32 من سورة النساء في قوله تعالى: “ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسالوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما”. أن أم سلامة رضي الله عنها قالت: “يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث”[2].
فلأول وهلة قد يبدو أن الإسلام ظلم البنت إذ جعل لها نصف حظ أخيها من تَرِكَة الأب، إلا أن هذا الأمر ينافي الواقع إذ إن الإسلام كلف الرجل بما لم يكلف به المرأة، فهو المسؤول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل، بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات، فالمال الذي ترثه من أبيها يبقى لها وحدها لا يشاركها فيه مشارك، فنصيب الابن “معرض للنقص بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة، ونصيب البنت معرض للزيادة بما تقبض من مهور وهدايا”[3].
أما حجة نساء اليوم بأن المرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه في الأعباء فلهذا انتفى الحكم التاريخي لهذه الآية، هذا القول هو أمر مرفوض شرعاً حتى لو اتفق الزوجين على كتابة شرط عمل المرأة في العقد صح العقد، وبطل الشرط بخلاف بعض القوانين الغربية ومنها القانون الفرنسي الذي يشترط مساهمة الزوجة في النفقة.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قاعدة التنصيف في الإرث المبنية على قوله تعالى: “للذكر مثل حظ الاُنثيين” ليست قاعدة مطردة؛ لأن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى كما في حال تساوي نصيب الأب وهو ذكر مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث ابنهما.
ولقد حاول البعض في العصور المتأخرة أن يتخذ من موضوع الميراث حجة للغض من شأن المرأة، وانتقاص أهليتها، واعتبارها على النصف من قدر الرجل، باعتبار أن نصيبها في الميراث هو نصف نصيبه عملا بنص الآية: “يُوصيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ” [النساء، 11]. وليس وراء ذلك تخبط في التأويل. فالحقيقة أن الشريعة الإسلامية على خلاف كثير من التشريعات الأخرى [التي تفرض على المرأة أن تسوق المهر لزوجها] قد فرضت على الرجل أن يكون هو الذي يسوق المهر لزوجته، مهما كانت زوجته من أغنى الأغنياء. ولا يصح زواج ولا ينعقد بغير مهر يدفعه الرجل للمرأة، كل على قدر سعته ومكانته.
وفرض على الرجل بعد ذلك أن ينفق على زوجته، وأن لا يكلفها إنفاق شيء من مالها، فكان من العدل والحالة هذه أن يزيد في نصيب الولد والرجل على العموم بالنسبة لنصيب المرأة، حيث أنه مكلف بأداء هذه الالتزامات المالية قبل المرأة، فكأن ما نقص من ميراث البنت هو في مقابل ما سوف يرد لها على سبيل المهر والنفقة. فالأمر لا يعدو والحالة هذه تنظيما ماليا قد نظر فيه إلى الأعباء والتكاليف المالية المفروضة على كل شخص، وليس أدل على ذلك من مثال بنات سعد بن الربيع، فقد تقاضت البنتان من الميراث مع أمهما أزيد من خمسة أسداس التركة بينما لم ينل الرجل وهو العم إلا أقل من السدس. ولو مات رجل عن بنت وأبوين لأخذت البنت نصف ما ترك أبوها، واستحقت بذلك نصيبا أكبر من أبيه وهو الرجل، فلو أن الأقدار تقاس بالنصيب في الميراث لوجب أن نقول أن البنت في هذه الحالة أفضل من الأب، مع أن فضل الأب مقدم على كل فضل وحقه على ولده فوق كل اعتبار، حتى لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: “أنت ومالك لأبيك”[4]. ومع ذلك فلم يفرض القرآن للأب في الميراث إلا السدس عند وجود الولد: “فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَد” [النساء، 11].
وخلاصة القول إن الإسلامُ نظامٌ شامل وتشريع كامل، وحكمٌ عادل ومنهجٌ واقعي، يُرَاعِي الفطرة الإنسانية، ويحقق التوازن بين مصالح الفرد والأسرة والمجتمع، دين العدل والإنصاف، دين الطهر والعفاف، دين العزة والكرامة، دين التقى والاستقامة، دينٌ يعلن عن نفسه من خلال دعوته الصادقة، وعقيدته الخالصة، وشريعتِه الغرَّاء، وأخلاقه الكريمة وآدابه الطيبة، ومصدره الوافي، ومنبعه الصافي: كتاب الله وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم.
———————————————–
1. الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أم سلمة 6 / 256.
2. البخاري، رقم الحديث 6344.
3. انظر تفاصيل الحكم الكامنة وراء المفاضلة بين الذكر والأنثى في كتاب المواريث في الشريعة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة، محمد علي الصابوني، ط 2، سنة 1399هـ 1979، طبعة عالم الكتب، ص: 16-19.
4. سنن ابن ماجة كتاب التجارات باب ما للرجل في مال ولده، ج: 2، ص: 769، رقم الحديث: 2292.
-
مايو 4, 2012
تلميذك المخلصوفقك الله ووفق كل من سار في خدمة هذا الدين
التعليقات