“لتعــارفـــوا”
إن تَضامّ أركان الأرض اليوم، وصيرورتها –لِيُسْرِ التفاعل بين أرجائها– كخلية النحل الهائجة المائجة، التي لا يقع فيها فعل دون أن تكون له آثاره القريبة أو البعيدة على مجموع الناس، إضافة إلى بلوغ فعالية الإنسان التسخيرية إلى مستويات تراكمية بالغة التأثير والقوة، كل ذا يجعل الحاجة إلى الرشد أشد وألح منها في أي وقت مر على الناس فوق هذا الكوكب، إذ صار ثمن الخطأ انطلاقاً مما استجد من المعطيات باهظاً. ولذلك وجب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تبلور البشرية مناهج لتحقيق الصلاح بكل أنواعه ومراتبه، كما وجب أن تدرك البشرية أن هذا التنوع في التجارب الذي فرضه “السعي الشتى” عبر العصور يمكن أن يكون خيراً إذا أضيف له الصلاح فالبر، كي يصير تكاملاً وإثراء متبادلاً، تشمل خيراته الناس أجمعين، بتقوى الله في الأرحام، وبالتعارف، “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” [سورة الحجرات، الآية: 13] كما يمكن أن يكون هذا التنوع دماراً إذا أخطئ إبصار آية التعارف، وذلك عن طريق السقوط في التنافي، الذي هو نتيجة طبيعية للأثرة ورؤية فضل الذات على الآخرين.
إنه تعارف ينبغي أن يؤدي إلى تضافر وتكامل الوجهات وتكامل الطاقات وإعطاء الاجتماع البشري عن طريق الإيمان بالهدى واتباعه صفة الجسد الواحد “إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى” [أخرجه البخاري، كتاب الأدب، رقم 6011]، جسد يصبح الفساد فيه مرفوضاً/ منكراً، ينكره كما ينكر الجسد البيولوجي ما يضره من البكتيريا والفيروسات والأجسام الغريبة أو النظم المضرة، غذائية كانت أم حركية أم مناخية. كما يصبح الصلاح فيه مقبولاً/ معروفاً.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق