“لا تكونوا كذابين، ولا يلعب بكم الكذابون”
(سيدي أحمد بن إبراهيم الأنصاري (تـ 1052هـ))
أجمع علماء العقيدة على أن مقام النبوة وحده هو الذي يصحّ أن يبدأ بدعوى، وتكون المعجزات هي صك صحة بعثة النبي إلى أمته، إذ هي بمثابة قول الله على لسان حال النبي المرسل “صدق عبدي”، وأما سائر المقامات الأخرى التي يجتبي لها الله من يشاء من عباده، فأدب المتمكّنين فيها يلزمهم، خضوعا لجلال الله واستغراقا في جماله؛ ومسكنة في جنبه تعالى، وتجانفا عن كافة أضرب الدعوى، وهو قول الشيخ أحمد الرفاعي (تـ 578هـ) رضي الله عنه: “وكانوا يتستّرون بذلك!” تاركين أفعالهم وثمارها تنطق عنهم، وهو ما حذا بثلّة صالحة من علمائنا، إلى النص على أن المهدوية مقام لن يُعرف صاحبه إلا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وهو قولهم “لن يُعرف من اجتبي، إلا بعد الثُّويّ”. ولذلك أنكروا على من رام تعبئة الناس بدعوى في المجالات الاجتماعية التكادمية، التي تتنافس فيها الاستراتيجيات، والبرامج، وموازين القوى، ونصوا على ذلك بقولهم: “إنا نتوق لألسن بكم، وأيد فصاح”.
على أن الفيصل في هذه المضامير، ليس هو الدعاوى، وإنما الثمرات، وقد تفرّع عن هذه الأصول نسق معياري، تعامل من خلاله علماؤنا، مع كافة الدعاوى التي أثتت مجالنا التاريخي الإسلامي بهذا الخصوص، فتمكنوا، وعلى حدّ تعبير العلامة أبي علي الحسن اليوسي رحمه الله (تـ 1102هـ – 1691م) من فضح “ما كثرت فيه الدعوى، وعمت به البلوى، فالتبست السبل بالمنهاج، وغطى على شمس الخصوصية دخان الاستدراج”، وقد نقل رحمه الله عن شيخه أبي عبد الله بن ناصر الدرعي (1085هـ) حكمة بالغة بهذا الخصوص، أخذها بدوره عن شيخه سيدي أحمد بن إبراهيم الأنصاري (تـ 1052)، وهي حكمة مفادها: “لا تكونوا كذابين، ولا يلعب بكم الكذابون”.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق