في هذه الحكمة المباركة ينحت الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه في نفوس السالكين وضعا وجدانيا وعرفانيا في غاية الدقة، وضع مفاده تحويل مناط الفرح بالطاعة من الذات إلى الذات العلية، الله جلّ جلاله، فالفرح بالطاعة لا ينبغي أن يناط بقدرة السالك عليها، وظهورها بالتالي من كيانه، وظنه بناء على ذلك أنه من بلورها امتثالا لأوامر الله سبحانه، لأن هذا وإن صحّ رسما، فإنه جوهرا ليس كامل الصحة، لأن الهادي إلى الطاعة هو الله ولذلك شرع في كل ركعة من كل صلاة فرضا كانت أم نفلا، قراءة سورة الفاتحة التي تتضمن دعاء “اهدنا الصراط المستقيم” وقد جاء في الدعاء المبارك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند القيام للصلاة “واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت” [صحيح مسلم ، رقم الحديث: 1296].

      وقول الشيخ رضي الله عنه “وافرح بها لأنها برزت من الله إليك” فيه وجوب إناطة الطاعة بعطاء الله جلّ وعلا، فهو الذي هدى –وكما تقدم- إلى الطاعة، وهو الذي أعطى القدرات الفهمية والبدنية لإقامتها، وهو الذي مكن من وسائلها، وهو الذي أوجد في القلب حلاوتها كما أنه سبحانه هو الذي أذن بالدخول عبرها إلى حضرته.

      وفي تحويل مناط الفرح من الذات إلى خالق هذه الذات وخالق كل شيء وربّه ومليكه الله تعالى، أدب جم، وشكر مستوجب للزيادة، وإيراد الشيخ رضي الله عنه لقوله تعالى: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” [سورة يونس، الآية: 58] فيه تذكير بعماد الأمر كله؛ إذ لولا فضل الله ورحمته على الناس لكانوا من الخاسرين “فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين” [سورة البقرة، الآية: 64]، ولولا فضل الله ورحمته لاتبعوا الشيطان إلا قليلا “ولولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا” [سورة النساء، الآية: 83]، “ولولا فضل الله ورحمته على الناس لهمّت طائفة من الناس أن تضلّهم ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك” [سورة النساء، الآية: 113]، ولولا فضل الله ورحمته على الناس في الدنيا والآخرة لمسّهم عذاب عظيم فيما أفاضوا “ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم” [سورة النور، الآية: 14]، ولولا فضل الله ورحمته على الناس ما زكى منهم من أحد أبدا “ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد اَبدا” [سورة النور، الآية: 21]، غير أن “الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون” [سورة غافر، الآية: 61]، كما يتجلى ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “لن يدخل الجنة أحد بعمله قط” قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته” [أخرجه البخاري في صحيحه، رقم5673].

الأمين العام

                                                                                                               للرابطة المحمدية للعلماء