كيف انتشر الإسلام في المغرب
عرفت الحركة الإسلامية بالمغرب تطورات وأحداث مختلفة دامت قرناً كاملاً. وقد كان حرص ولاة العرب شديدا على إشادة معالم الإسلام بهذا القطر، وتثبيت أركانه وإقامة دعائمه. حتى ارتكز فيه ارتكازاً قويا، وتَمكن من نُفوس سُكَّانه أيُّما تمكُن. فأصبح وكأنما آوى إلى وطن وسكن هما أعرفُ به منه بهما. فكيف تمَّ ذلك؟ وما هي العوامل والأسباب التي سنَّت الوصول إلى هذه الغاية؟
إن المغاربة الذين كانوا قد اعتادوا حياة الفوضى، وأَلِفوا التمرد والعصيان، بعد أن تمكن منهم العرب وكسروا شوكتهم، أصبحوا مقتنعين بعدم إجداء المقاومة عنهم وذهاب كل مجهوداتهم في الدفاع سدىً، لما رأوه من شدَّة مراس العرب للحروب وطول مغالبتهم لأعدائهم. فلم يسعهم، والحالة هذه، إلا الإذعان لسطوتهم وتسليم مقاليد الأمور إليهم. فساسوهم بالحكمة والإنصاف، وأخذوهم بالعدل والمساواة، حتى أوَوا إلى ظل الطاعة، وأخلدوا إلى السكينة والهدوء.
هنالك تذوَّقوا طعم السِلم لأول مرة، وانصرفوا إلى إدارة شؤونهم وتدبير مصالحهم. وبدأُوا يشعرون بهناءة الحياة، ويجدون لذاذتها.
ثم نظروا فيما تخلَّف بأيدهم من عادات الوثنية، وبقايا الديانات الأخرى المُحرَّفة، فلم يجدوا في ذلك شفاء غلتهِم ونقع أُوامهم. فأخذوا يتطاولون بأعناقهم إلى الدين الجديد الذي جاء به الفاتحون الأقوياء ورأوه موَفِّيا بأغراض الحياة ومآربها، ضامنا لمصالح البشر في المعاش والمعاد. فكان منه إليه خير داعية ومرشد، أنار أمامهم السبل، وأبان لهم معالم الرُّشد. وسرعان ما استمالهم إلى جانبه، وأدخلهم في حظيرته. وكان أكثرُ ظاهراته تأثيرا عليهم ثلاثا:
1. يُسْرُ شريعته، وسماحته غير المحدودة، فكلُّ تعاليمه هيِّن سَهْل، يمكن الإحاطة به والقيام عليه في غير تعب ولا عناء. والإسلام كما لا يخفى، دين الفطرة الخالي من التكاليف الشاقة التي تجعله عبئاً ثقيلا على كواهل معتنقيه. إذ ليس فيه إلا ما ينطبق على النظر والمصلحة العامة؛
2. حُسنُ معاملته لكل من يدينُ به ويحتمي بحماه، فما هو إلاَّ أن يتعلَّق بسبب من أسبابه، حتى يُصبح عضواً عاملا في جماعته الكبيرة، لا يميزه عن بقية أعضائها مميز، ولا يفصل بينه وبينهم فاصل، واعتبر ذلك في ابن الكاهنة المغربية والمشهورة في التاريخ بطول مقاومتها للإسلام، ومحاربتها للآتين به، حتى ماتت[1]؛ فإنه ما لبث أن وَلِي على قومه بعد إسلامه ولاَّهُ حسان بن النُعمان عاملُ عبد الملك بن مروان على إفريقية..
3. رِفقُ الولاة المسلمين وعدلهم، وتشربهم بروح الديمقراطية الحق التي جاء بها الإسلام، مع ما كانوا عليه من الأخلاق الفاضلة والسجايا الكاملة. حتى لقد أكبر هؤلاء المغاربة دينا أنجَب مثل أولئك الرجال الأفذاذ، وكوَّن مثل تلك الشخصيات الكبيرة ينذُر وجودها في التاريخ.
على أن المغاربة لم يُعادوا الإسلام في أول الأمر. ولم يُقاوموه تلك المقاومة العنيفة إلاَّ لجهلهم بحقيقته وعدم إحاطة علمهم بمحاسنه ومزاياه. وقد فطن لذلك الولاة العرب بعد حين، فرتبوا لهم الفقهاء والقرَّاء يُلقنونهم العربية ويُبصرونهم بالدين، فلما اكتنهوا كُنهه وعرفوا حقيقته وتمرَّسوا بتعاليمه السامية وآدابه العالية، أصبحوا من أكبر دُعاته وأحمى أنصاره فجاهدوا في سبيله الجهاد الأكبر، وبذلوا النفس والنفيس لإبلاغ دعوته إلى أقاصي البلاد. فهم الذين فتحوا الأندلس وسهَّلوا طريقها للعرب، ومازالوا بعد ذلك حاميتها وسادتها إلى آخر العهد بها، وهم الذين اقتحموا مجاهل إفريقية، وحملوا الهداية الإسلامية والثقافية العربية إلى السَّوادين كما هو معلوم..
——————————-
1. هي الكاهنة داهية التي تزعمت قومها جراوة، وقاتلت المسلمين في جبال أوراس فهزمتهم، وكان عليهم حسان بن النعمان، ولم يلبث أن جاءه المدد من الشرق، فكرَّ عليها وأوقع بها وبمجموعها سنة 74هـ.
النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف عبد الله كنون، العدد 1-3 دار الثقافة، ج: الأول، ص: 39-41.
أرسل تعليق