كشجرة طيبة
السلوك المدني نحت مصطلحي مفاده أن الإنسان وجب أن يتصرف في مجتمعه وفق جملة حوافز ودوافع تصورية وتربوية، ومعايير وضوابط قيمية وقانونية.
والسلوك المدني ثمرة تنبثق من شجرة من الجهود، شجرة تربتها المرجعية التمثلية والأخلاقية الواضحة، الممنهجة، الراشدة، وجذعها القوانين والتشريعات الوظيفية العادلة، وفروعها المشاريع المجتمعية المجمع عليها، والتي يولّد الانخراط الجماعي فيها تواطؤا إيجابيا بين أفراد المجتمع الواحد، ويولّد غيرة مشتركة على كل ذرّة من ذرّاته.. وأما نسيج هذه الشجرة الخلوي، فهو التواصل الناجع والدائم الذي يوضح، ويقرب، ويعمق كل المكونات سالفة الذكر.
وأما الماء الذي تسقى به فهو إعطاء المثال بالأنفس مصداقا لقوله تعالى: “يا أيها الذين ءامنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” [الصف، 2-3]، ومصداقا لما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من إعطاء القدوة بنفسه كما يتجلى ذلك في جواب الأعرابي الذي سئل لِمَ آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فأجاب: “والله، لقد دلني على صدق هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجر الموعود، وأشهد أنه نبي”.
وأما هواء شجرة السلوك المدني الذي تنتعش به فالاعتراف، إذ حين تعمّ ثقافة الاعتراف في مجتمع؛ فإنها تكون رافدا لأسس الاعتقاد الدافعة للعمل في كل حال، فالإشادة بالمحسنين، وتثمين جهودهم، يزيد في إحسانهم، ويشجع غيرهم، وقد كان ذلك من سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، حيث عُهد منه صلى الله عليه وسلم تثمينه المستدام لجهود أصحابه البررة، وإبرازه عليه الصلاة والسلام خصالهم، ومن ذلك ما أثر عنه في حق صهيب رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم في إبراز تقواه “نِعْمَ العبدُ صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه”، وما أثر عنه صلى الله عليه وسلم في حق أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه في إبراز أمانته حين قال عليه الصلاة والسلام “أمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح” وما أثر عنه عليه الصلاة والسلام في إبراز جود عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال صلى الله عليه وسلم إثر تجهيزه رضي الله عنه جيش العسرة “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم!”، وغير ذلك كثير في سنته الغراء عليه الصلاة والسلام.
إن مجتمعنا مدعو اليوم بإلحاح، أكثر من أي وقت مضى إلى بلورة، وتعميق، وتحسين أدائه بخصوص كل الأبعاد سالفة الذكر، حتى يشتد عود شجرة السلوك المدني فيه، وتونع ثمراتها في كل أرجائه، فتكون بحق “شجرة طيبة اَصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها” [اِبراهيم، 23-24].
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق