قيمة الأمانة ويقظة الضمير.. (3)
الأمانة من مسوغات الاجتباء والاصطفاء عند الله تعالى للأنبياء ونظرا لما لها في واقع الحياة من معاني سامية جعلها الإسلام واسعة النطاق والشمول في مختلف شؤون الحياة الإنسانية؛ فالوطن مثلا أمانة في عنق كل مواطن، وإن اختلفت المستويات فوجب علينا أن نرعاه بقلوبنا، وأن نفديه بأرواحنا، وأن نحافظ على كل شبر من أرضه، ولهذا فرض الله تعالى الجهاد علينا بالنفس والمال كما أن السلاح الذي هو بيد الجند فهو من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للوطن فهذا السلاح يعتبر أمانة في عنفه كما أن المحافظة على أسرار الدولة والخطط الحربية ومختلف الشؤون العسكرية في قمة الأمانة التي فرضها علينا الإسلام.
فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: ألا تستعملني؟ فضرب الرسول بيديه على منكبيه ثم: قال: “يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليها” وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته“.
كما أن الأمانة تشمل عش الزوجية وذلك بأهمية المحافظة على أسرار الحياة الزوجية بين الزوج وزوجته فلا يكشفها لغيره. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من أعظم الأمانة عند الله تعالى يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها” ومن الأمانات أن يحرص العامل والصانع والتاجر والموظف على الأمانة لغرس الثقة في النفوس وزرع المحبة في القلوب فالإسلام يدعو إلى المحافظة على الأمانة والمحافظة على حقوق العباد من التفريط والاستهانة لتجد الإنسانية صوابها ورشدها في معاشها ومعادها، وكل هذا وغيره نأخذه من فريضة الصيام الذي عماده الأمانة، وهو المعلم الحقيقي للتحلي بها؛ وعبادة الإسلام تهدف إلى إقامة مجتمع فاضل سليم يربط نفسه بالخالق العظيم، وهنا تتدخل قوة الضمير التي هيأها الإسلام لمراقبة سير الأمانة في طبيعة النفس البشرية فتكليف الفرد واجد محتوم لإنجاح المشاريع الإيجابية المفيدة، وتكليف الفرد كذلك لا يخلو من المشقة لو لا هيمنة الأمانة التي يعتمد عليها الإنسان؛ ووسيلة الإسلام في إصلاح الفرد أو المجتمع ليست في سن العقوبات فحسب، وإنما في أن يبعث في الإنسان قوة الضمير، وهيمنة الأمانة ليزجر نفسه بنفسه قبل أن يزجره زاجر خارج عنه..
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق