قيمة الأمانة ويقظة الضمير.. (2)
ومن صور الأمانة على سبيل المثال لا الحصر؛ الأمانة على الأموال والأعراض، والأمانة على شعائر الدين وتعاليمه، والأمانة على العلم، والأمانة على حفظ الأسرار وعدم إفشائها، والأمانة على الأسرة والحرص على رعايتها رعاية قائمة على نوع من المعقولية والمساواة في بينها ورعايتها رعاية تامة، والأمانة على البيئة وعدم تلويثها، وعلى الصحة وعدم الإضرار بها، وعلى الحياة وعدم تعريضها للخطر، وعلى العقل وعدم تغييبه عن الوعي بأي شكل من الأشكال، والأمانة على الوطن وعدم تعريض آمنه للخطر والمحافظة على مقدساته..
وهذه كلها أمانات سوف يسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف فعن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيما علم”. كما أن الإنسان سوف يسأل كذلك عن سمعه وبصره وعقله ما ذا فعل بها فكلها أمانات لديه، وفي ذلك يقول عز وجل: “إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” [الاِسراء، 36].
ويمكن تلخيص صور الأمانة في أربعة دوائر أمانة فردية تتعلق بالفرد ذاته فيما بينه وبين نفسه، وأمانة اجتماعية تتعلق بصلة الإنسان بالآخرين قريبين كانوا أو بعيدين، وأمانة دينية تتعلق بصلة الإنسان بالله تعالى، وأمانة عامة تتعلق بصلة الإنسان بالكون الذي يعيش فيه وبما فيه من كائنات حية أو غير حية، وكل هذه الأمانات تتكامل مع بعضها ولا تتعارض؛ ومن أبرز الأمثلة على الأمانات في العبادات؛ الأمانة في عبادة الصوم فليس هناك من يطلع على الوفاء بها إلا الله وحده؛ فالإنسان يستطيع أن يأكل ويشرب ثم يخرج على الناس مدعيا للصوم مع أنه قد خان هذه الأمانة، ومن أجل ذلك يعد الصوم في الوقت نفسه تدريبا لإرادة الإنسان على الالتزام بالأمانة والقيام بحقها..
ومن كل ما تقوم يتضح لنا أن الإسلام قد جعل من الأمانة قيمة مركزية وفضيلة محورية لدرجة أن قيام الساعة ونهاية الدنيا مرهون بمدى الالتزام بالوفاء بالأمانات في هذه الحياة، ومن أجل ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة“، ويعني ذلك أن ضياع الأمانة يعد علامة من علامات قيام الساعة، وفناء العالم، وهذا يبين لنا الأهمية الكبرى لهذه القيمة المتغلغلة في كل أمور حياتنا صغيرة كانت أم كبيرة فردية أم اجتماعية دينية أم دنيوية، والوعي بذلك كله من شانه أن يحملنا على الوفاء بمسؤوليات هذه الأمانة، والعمل على غرسها في نفوس الأجيال فهي جوهر الدين ولب الأخلاق والحفاظ عليها يعني في الوقت نفسه الحفاظ على كل القيم النبيلة والفضائل الكريمة؛ ويعني الحفاظ على استمرارية الحياة واستقامة السلوك، ونشر كل قيم الحق والجمال في كل مكان..
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق