قلوب حول العرش.!
تحدثت فيما سبق عن شأن القلب، وخطرِ ما يستقر فيه، وأنه لب الإنسان وجوهره، وأنه محل الإيمان، ومركز الفهم، ومستودع السرائر، ومثوى الدوافع التي تنتج السلوك إلى الوجود الخارجي، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب“.
فلا حديث عن مشروع الارتقاء والترقي إلا بصلاح القلب؛ إذ هو الحاسة الباطنة لرؤية المعنويات والمحسوسات في الكون، وآلة العلم القدسي في عالم الملكوت، ومطية السير إلى الله تعالى، والمراد بصلاح القلب: الاحتراز من كل وصف يباعده عن مشاهدة الحق في الأفكار والخواطر، والنيات والدوافع، والأفعال والأحوال.
وبداية إصلاح القلب تكون بإيقاظ الفكرة الصحيحة فيه، واستفراغ الوُسع في استجلائها، وإقامتها على الحقائق الجلية التي تثبت على التمحيص، وتفرض المقدمات صحتها والتسليم بها… على سنة أبينا إبراهيم في تطلب الحق وإدراكه في مثل قوله تعالى: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ اَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ اَدْعُهُنَّ يَاتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ اَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [ سورة البقرة/ الآية: 259]” وقوله: “”وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْاَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ” [سورة الانعام/ الآية:76]، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أَبو هُرَيْرَةَ: ” نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ.(صحيح مسلم).
فقانون النظر أو الفكرة هو مفتاح معارف الإنسان المعنوية، والباب الذي يفضي منه المرء إلى آفاق العلم ودلائله وقوانينه، فتنتقل إلى ضمير الإنسان، فترسخ فيه، فتُكَوِّنُ حقائق الإيمان بالله، وتتأثر بها شخصيته وقيمه وإنسانيته. وهذا القانون هو ما يقصده علماؤنا بقولهم إن الإيمان هو التصديق القلبي، وهذا التصديق ليس عقيدة موروثة عن تقليد أو عصبية، أو جيشان عواطف، إنما هو شيء يُثمره الفكر مما يطالعه من حقائق الحياة وقوانين الكون. وهذا المنهج جدير بأن يؤهلنا لبلوغ صفة الرشد الروحي يقول الله تعالى: “وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ” [سورة الأنبياء/الآية:51] وجدير به أن يوسع مساحة الإيمان في قلوبنا حتى نبلغ درجة اليقين، يقول الله عز وجل: “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ” [سورة الأنعام/ الآية: 76].
وحتى ندرك قدر الشحنة الإيمانية التي تفتقر إليها قلوبنا، لنفكر في أصل البُنية البشرية، وأنها مركبة من طين وروح، فالروح نفخة إلهية وهي سر الله -عز وجل- في هذا الإنسان، والطين جزء من الأرض: “وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين” [سورة الحجر/ الآيتان: 28-29].
فلا سبيل إلى إحياء هذه الروح وتجديدها وإنعاشها إلا بردها إلى الخالق سبحانه، ووَصلِها بالخالق، فلابد للإنسان أن ينفتح عل الله، وأن يتمسك بالعروة الوثقى: “ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد اِستمسك بالعروة الوثقى” [سورة لقمان/ الآية: 21]، ومن كان كذلك فقد أصبح موصولا بالله، منتسبا إليه، فهو في كلاءته وذمته، ومن أعرض عن هذه العروة، واستخف بها، وكل إلى نفسه، ومن وكل إلى نفسه هلك لا محالة؛ وهذا النبي المعصوم-صلى الله عليه وسلم- كان يقول: “يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”.
كلما ازددت تعلقا بالطين، ضعفت صلتك بالسماء، وجواذب الطين في حياتنا كثيرة؛ ذكرها القرآن في مثل قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والاَنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب)[سورة آل عمران/ الآية: 14].
فالمال والبنون والنساء والذهب والفضة والأراضي والعقارات والمناصب والألقاب والجاه والسلطة، كلها جواذب تجذب الإنسان إلى الاتجاه المعاكس لأشواق الروح وحياتها وقوتها، فلا تبقي لها مجالا أو وجهة للتعرف على الله، والإنابة إليه.
إن القلب هو نافذة الإنسان المفتوحة على عالم النور والحكمة والسكينة والإيمان، ومن خلال هذه النافذة تستطيع أن تطل على عالم قدسي فريد من نوعه، وأن تتحرر من كثير من الأوهام، و وأن تخرج من سجن وجودك إلى فضاء شهودك كما قال ابن عطاء الله : “أورد عليك الوارد ليتسلمك من يد الأغيار، وليحررك من رق الآثار، أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك“، “النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس، فإذا أراد الله أن ينصر عبده أمده بجنود الأنوار، وقطع عنه مدد الظلم والأغيار”، “النور وطن القلب والظلمة وطن النفس، والمعركة بينهما”، ولذلك ُشبه القلب بالحصن، والشيطان بالعدو الذي يترصد منفذا يتسلل إليه، وحماية القلب وحراسته كحراسة الحصن، وهذا أمر عظيم وفي غاية الأهمية يتعين تعلمه ودراسته؛ لأن معرفة خدع النفس ومكائد الشيطان من أغمض أنواع المعاملة، ولأن صراع المؤمن مع الشيطان مجاهدة دائمة دائبة حتى يأتيه اليقين، وفي الصحيح قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم”، فما دام الأوكسجين يختلج في صدر الإنسان، فأبواب الشيطان مشرعة مفتوحة إلى قلبه، وهذه الأبواب هي كل صفة ذمها العقل والشرع.
والشيطان بطبيعة الحال شغله الشاغل مع المؤمنين الطائعين، أما من يمضي حياته متنقلا من فساد إلى فساد، فالشيطان يغفو مطمئنا في ظلام أعماقه.
فالناس إذن أقسام: فمنهم من استحوذ عليه الشيطان، فلا تصبو نفسه إلا إلى معصية، ومنهم من يلهو به صبيان الشياطين كما يلهو أطفالنا بالكرة يتقاذفونه في أنواع الفساد ودروب التيه، ومنهم من يغويه بوهم الأماني وبريق اللذات كما قال جل وعلا: “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَامُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة/ الآية: 267]. يعني يحذره من الصدقة، ويخوفه من الفقر، ولكن يأمره بالزنا أو المنكر في الآن نفسه، ويرغبه فيه، لاحظوا معي التناقض واختلاف الأسلوب؟!
ولكن القرآن يلفت انتباهنا- في آخر الآية- إلى أمر عظيم وهو التنويه بشأن الحكمة في اتقاء هذه المكايد. يقول الله عز وجل: “يُوتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُوتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ اولُو الْأَلْبَابِ } [ سورة البقرة/ الآية: 268]. فالقلب إذا لم يكن متحصنا بالحكمة، رَيَّانا في المعارف اخترقه الشيطان بوسوسته، وبدل من أحواله وموازينه، ومتى ترددت الأغيار المختلفة على قلب إنسان فارقه النور والروح الإيماني، قال بعض العلماء: “القلوب جوَّالة فقلب يجول حول العرش، وقلب يجول حول الحَش…” والحش عبارة عن الدنايا والسفا سف، والابتلاء بالصفات المُعطِبة، وإتباع الهوى، وأسباب الغضب والشهوة، فإن الإنسان إذا غضب فقد صوابه، وغاب عقله، وأتى بما يتنزه عنه في العادة من الأذى والظلم والخصومة والفجور والتفرق، وكذلك إذا غلبته شهوته واستسلم لها، جرفته إلى كل واد سحيق، وصيرته وحشا ضاريا في صورة إنسان.
-
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد المكين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإني لم أكن أعتدّ على زيارة موقعكم الممتاز، ولكن أحد الأصدقاء السنغاليين المتابعين أوصاني بقراءة هذا المقال، نظرا لأهميته وفائدته العظيمة بالنسبة لجمهور المسلمين خصوصا السالكين منهم على طريق السلف من السادة الصوفية.
فهو مقال جمع بين الإشراقة الروحية، والروعة البلاغية، ويتغلغل إلى أعماق القلوب، فيحدث فيه الهزة واليقظة والانتباه.
وإننا ـ في عصر طغت فيه المادية والشهوانية والحسية المفرطة، ـ لفي أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الوقفات اللطيفة التي تجمع بين الحكمة والموعظة الحسنة لإصلاح القلب وإشراق الروح.
أجزل الله مثوبتك وكثر في الأمة أمثالك من العلماء الربانيين.شعيب كيبي السنغالي
المسئول عن موقع ويكي مريدية
الصوفي السنغالي
http://www.wikimouridia.org -
إلى مثل هذه الكلمات العطرة تحتاج الأمة الإسلامية في هذا الظرف الحرج، ظرف فيه كل إحساس روحاني وكل إشراق عرفاني،
فالأستاذ عشاق يعود بنا إلى عصور الأنوار والإضاءات الربانية، وكأننا أمام إمام من أئمة القرون المجيدة من أمثال العارف بالله ابن عطاء الله السكندري، وسيدي أحمد زروق الفاسي البرنسي.
إنه والله لنفحة من النفحات المسكية، بارك الله فيك وكثر فينا أمثالك من العلماء الربانيين، نفع الله بك الأمة. -
-تتمة-
خامسا: إن سلامـة القلب وخلوصـه سبب لسعـادة الدنيا والآخرة، فسلامة القلب من الغل والحسد والبغضاء وسائر الأدواء سبب للسعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة: "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" [سورة الشعراء، الآيتان: 88، 89].
سادسا: ما أعطي الله لهذا القلب من مكانه في الدنيا والآخرة، وانظر إلى أدلة ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
1- يقول -الله تعالى- على لسان نبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم: "وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" [سورة الشعراء/ الآيات: 87-88-89]. فلن ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم.
2. يقول -جل وعلا-: "وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ" [سورة ق/ الآية: 31]. فأين القلب المنيب وما صفته؟
3. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
4. وفي الصحيحين من حديث النعمان من بشير رضي الله عنه مرفوعا: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، وكفى بهذا الحديث واعظا وزاجرا، وعبرة لأولي الألباب.
سابعا: أن أقوال القلب -وهي تصديقاته وإقرارته-، وأعماله وحركاته من: خوف ورجاء ومحبة وتوكل وخشية وغيرها. هي أعظم أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة، وبتخلفها يتخلف الإيمان. وها هم المنافقون يقولون الشهـادة بألسنتهم، ويشـاركـون المسلمين في أعـمالهم الظاهرة، ولكنهم بتخلف إقرارهم وتصديقهم كانوا "فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا" [سورة النساء/ الآية: 145].
ثامنا: أن كثيرا من الناس جعلوا جل همهم تفسير مقاصد الناس، وتحميل تصرفاتهم ما لا تحتمل، وتجاهل الظاهر، وترتيب الأحكام على تنبؤ عمل القلوب، مما لا يعلمه إلا علام الغيوب، والغريب أن هناك من يعتبر هذا الأمر ذكاء وفراسة وفطنة، وليس هو من الفراسة الشرعية في شيء. فنحن مأمـورون أن نؤاخـذ الناس بظواهرهم ونكـل سرائرهم إلى الله.
وأخيرا: إذا كـانت هذه مكـانة القلب وأهميته. فهلا وقفنا مع أنفسنا لننظر كيف عملنا بقلوبنا، بل ماذا عملت بنا قلوبنا.
كم ننشغل في أشياء كثيرة من أمور دنيانا ومعاشنا ووظائفنا، وإذا بقي لنا شيء من الاهتمام أعطيناه لأعمالنا الظاهرة.
وأما هذا القلب فقليل منا من ينظر إليه، ويعطيه الاهتمام اللائق به، وعسى أن يكون فيما سبق من ذكر أهمية القلب وأثره في حياة الإنسان ما يدعونا إلى مراجعة هذا القلب، وإعطائه المكانة اللائقة به. -
فضيلة الدكتور عبد الحميد عشاق السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد أستأذنكم في إضافة متواضعة لموضوعكم المهم جدا، بارك الله جهودكم،
الحديث عن القلب وامتحانه وابتلائه حديث بالغ الأهمية في وقت قست فيه القلوب، وضعف فيه الإيمان، واشتغل فيه بالدنيا، وأعرض الناس عن الآخرة.
لكنني سأتحدث عما يعرض لهذا القلب خلال سيره إلى الله من امتحانات وابتلاءات، وما علامات صحته وعلته؟ وما مواطن الابتلاء والامتحان لهذا القلب؟
الحديث عن القلب ليس بالأمر الهين ولا السهل، فلا أحد أعلم بأحوال هذا القلب وما ينتابه من خالقه "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ" [سورة الملك/ الآية: 14]. "يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى" [سورة طه/ الآية: 7]. "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" [سورة غافر/الآية: 19]. ومن أنـزل عليه الوحي -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" [سورة النجم/الآيتان: 3-4].
ولأنبه إلى خطورة دعوى كثير من الناس معرفة المقاصد من أعمال القلوب، مما لا يعلمه إلا الله -جل وعلا- وانشغلوا بما هو من الأعمال التي تفرد الله عز وجل به، نهوا عنه وتكلموا شططا، وهذا لعمري من مظاهر سوء الأدب مع الله -عز وجل- قال جل شأنه: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" [سورة الإسراء/ الآية: 36].
مسوغات الحديث عن القلب :
يكتسب الحديث عن القلب أهمية خاصة، لعدة أمور أجملها فيما يأتي:
أولا: أن الله -سبحانه وتعالى- أمر بتطهير القلب، وتنقيته، وتزكيته، بل جعل الله -سبحانه وتعالى- من غايات الرسالة المحمدية تزكية الناس، وقدمها على تعليمهم الكتاب والحكمة لأهميتها، يقول الله تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" [سورة الجمعة/ الآية: 2].
ثانيا: أثر هذا القلب في حياة الإنسان فهو الموجه والمخطط، والأعضاء والجوارح تنفذ،
يقول أبو هريرة رضي الله عنه"القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث القلب خبثت جنوده".
ثالثا: أن كثيرا من المشكلات بين الناس، وبالأخص بين طلبة العلم، سببها أمراض تعتري القلوب، ولا تبنى على حقائق شرعية، فهذه المشكـلات تترجم أحوال قلوب أصحابها، وما فيها من أمراض مثل: الحسد، والغل، والكـبر، والاحتقار، وسوء الظن… إلخ، وسبيل حلها الأمثل هو علاج هذه القلوب؟ وإلا فالمرض سيظهر بين حين وآخر كلما ظهرت دواعيه.
رابعا: غفلة كثير من الناس عن قلوبهم، فتجد -مثلا- بعض طلبة العلم يتوسع في بحث بعض الأعمال الدقيقة، ويتفقه فيها فقها عجيبا: هل تحريك الأصبع سنة؟ ومتى وكيف يحرك؟… إلخ، والبحث فيها نافع ومهم ولا شك، في حين يغفل البحث في أعـمال القلب وأحوالـه، وأدوائه وعلله، وهذا أهمّ وأجلّ.
نحن نشهد من يتخصص في أنواع العلوم كالحديث والفقه والتفسير والنحو والفرائض وغيرها، فيتقن هذه العلوم، ويبلغها الناس، فنحن بحاجة إلى من يتقن الحديث عن مقامات القلب وأحواله، وأعماله وعلله وأدوائه، فيعلمها الناس ويصحح مقاصدهم ونياتهم أيضا .
-يتبع- -
السيد الفاضل/الدكتور عبد الحميد عشاق
السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
أغتنم هذه الفرصة لأبارك لكم شخصيا مقدم السنة الهجرية الجديدة 1431هـ، ولكل أعضاء "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب" الأجلاء.
وبعد، فلقد اطلعت على مقالكم: كيف نرتقي بأنفسنا: قلوب حول العرش، فألفيته يسد فراغا باطنيا، كانت النفوس سترتقي لو سلكته منهجا، والانطلاق من القلب هو السبيل الأمثل لبلوغ الخيرية الموعودة في قوله عز وجل: "كنتم خير أمة أخرجت من الناس".
كما أن التنبيه على خطر الروح والمادة المكونيين للإنسان من المهم بمكان، إذ الروح منفذ كل خير، والجري وراء المادة يضعف هذه الشحنات الإيمانية التي تغذي الروح.
ولقد أشار الدكتور إلى أن هذا المنهج يقود إلى الرشد، وهذه التفاتة كريمة منه إلى إحالات القرآن الكريم على ملة أبينا إبراهيم عليه السلام.
وفي الأخير أشكر لكم مجهوداتكم ونفحاتكم في إصلاح النفوس وإغناء البحث العلمي.
والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
أخوكم: مولاي إسماعيل الناجي -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وصلى الله وسلم على الموصوف بالخلق الظيم، وعلى أفضل من حملت صدورهم أطهر القلوب من الآل والأصحاب والتابعين.
وبعد،
*** إذا كان عموم الناس يفكرون في زمن طغيان الفكر المادي في مشاريع تعود عليهم بنفع شخصي ضيق ومؤقت محدود بالزمان والمكان ـــ يفنى نفعها بفناء صاحبها ــ ولسان حالهم يقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) فإن ذوي الهمم العالية وأصحاب الرسالات الخالدة هم الذين يتجه تفكيرهم لمشروعات الارتقاء والترقي لتجتمع لديهم حسنات الدنيا والآخرة، ويستمر نفع مشاريعهم حتى بعد رحيلهم من هذه الفانية، يدعون ربهم خوفا ورجاءا وطمعا بلسان حال (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار).
وإذا كان القرآن الكريم يؤكد أن الشهوات التي تميل إليها القلوب قد زُيِّنت "زين للناس حب الشهوات ….الآية "فإن العلماء نسبوا التزيين للشيطان تارة بدليل "وزين لهم الشيطان أعمالهم " بالوسوسة والإيحاء والإغراء، فيسقط في حباله من ضعفت همته، ومن تخلى عنه توفيق الله وعونه وسداده…. ونسب آخرون التزيين لله تعالى تارة أخرى بدليل "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" للابتلاء والامتحان، الذي لن تظهر نتائجه إلا في يوم موصوف في دعاء خليل الله إبراهيم عليه السلام: "وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "وما أحوج إنسان اليوم إلى أمثال أمثال هذا التذكير الذي شرعتم فيه أخي الدكتور عبد الحميد، زادنا الله وإياكم علما نافعا، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون [ أويقرأون ] القول فيتبعون أحسنه، وكل عام وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله. -
السيد الفاضل / الدكتور عبد الحميد عشاق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل عام وأنتم وكل أعضاء الرابطة المحمدية للعلماء بخير بمناسبة بدء العام الهجري الجديد ١٤٣١.
قرأت مقالكم عن القلوب الجوالة حول العرش مقال مفيد جدا جزاكم الله كل خير.
والسلام أختكم سهام راشد
التعليقات