قضية حمل الكتب
رحلة المغاربة والأندلسيين للمشرق لطلب العلم مشهورة معلومة، وقد وثقوا ذلك في كتب الرحلات والتراجم، والمشيخات والمعاجم. وكانوا يستثمرون الرحلة إلى الحج لطلب العلم. فهو: “حج وحاجة” فكان لقاء كبار المشايخ، وكتب العالي من الأسانيد، ورواية الكتب عن مصنفيها أو رواتها، من أعظم مقاصدهم. فغدت تلك الرحلات من أعظم الطرق التي دخلت منها كتب الحديث بمختلف فنونه إلى المغرب والأندلس.
وقد اجتمع في هذا الداخل من الكتب أمران، كل منهما جليل في نفسه.
أولهما: كثرة هذه الكتب وأهميتها.
وثانيهما: كون عامتها مسموع لمن حمله، فحماه بذلك عن بوادر التصحيف والتحريف، مع اتصال سنده بمصنفه. ومن طالع فهرسته ابن خير، ورحلة ابن رشيد علم الكثرة الكاثرة لتلك الكتب مع أهميتها القصوى.
ولقد شاع في كتب التراجم ذكر كثير من المترجمين المغاربة والأندلسيين فيها، بأولويتهم في إدخال كتب بأعيانها إلى المغرب والأندلس، أو مزيتهم بحمل كتب العلم عموما والشغف بذلك. وممن ذكر بهذا في ترجمته الإمام الحافظ أبو موسى عيسى بن سليمان الرعيني الأندلسي صاحب المعجم المشهور، الذي كان أحد كبار الأئمة الأثبات، وصاحب رحلة واسعة إلى المشرق، بحيث مكث هنالك نيفا وعشرين سنة “أدخل كثيرا مما لم يكن وصل المغرب” من كتب العلم وبث ذلك في المغرب والأندلس، وممن سمع منه بالمغرب الإمام ابن فرتون وذلك بسبتة[1].
ولقد شكلت قضية العناية بجلب كتب الحديث إلى المغرب والأندلس ظاهرة تستحق الوقوف الطويل، وكشف كثير من جوانبها التي لم تجمع باستقصاء بعد. ولنا إن شاء الله تعالى عودة إلى هذا الموضوع فيما يستقبل، والحمد لله.
———–
1. يراجع في المعلومات المذكورة عن الرعيني تذكرة الحفاظ للذهبي، 4/1458.
أرسل تعليق