رحلتنا من النوع المثير، فهي مغامرة إذا قبلت دخولها أخي القارئ الكريم، ودليلنا في هذه الرحلة الإنسانية هو الشباب، ومن الطبيعي أن الفروع تعرف بتباين الجذور، واختلاف تربتها وظروفها، ولا ندري هل نستسلم لليأس والتشاؤم أم نتفاءل بالأمل فنسير مع السائرين، إن أردت أن تتعرف على الشباب الأصيل فلا تتردد في المغامرة فرحلتنا مخاطرة كلها، والراحل معنا إثارتها مع الشباب متواصلة، رحلة توقظ فيك رغم المعاناة الحب الشديد للتطور الأنضج للشباب، وهو يحيا بين أحداث الماضي ومعطيات الحاضر، ونظرة تفاؤل إلى المستقبل تطل من نظرات جيل جديد مؤمن بالإنسانية وقدراتها على التفاعل والتمازج.

الشباب يستحق منا فتح باب المشاركة، ليواكب معركة التطور في الشكل والجوهر، معركة التحضر في إدراك (السنن) الكونية والحضارية وتسخيرا لصالح البشر، وغير خاف على العارفين بمجريات التاريخ أن الشباب يجب أن يميز في فكره وسلوكه بوضوح بين الفكر والارتجال، ليواصل رسالته السامية، ومن يتخلف عن معركة التحضر يصبح عبئا وعائقا في معركة (العقيدة)، والتاريخ ليس وقائع جامدة، وإنما هو صور لأجيال حية للبشرية، وشرف مشروع لكل إنسان ينشد السعادة الإنسانية في مجتمعات بشرية دون استثناء، وعلى شبابنا الاندماج في المشروع الإنساني الجمالي للحياة.

الشباب هو البؤرة التي تذوب فيها فواصل المدارات المكانية والزمانية، من مختلف المشارب والأجيال، منه نشتم نجاعة الأعمال وكفاءتها في تمثيل الحياة الإنسانية، وبلورة الضمير الفردي والجماعي الأكبر، وأصفى نموذج لتشكيل الوعي والتعبير عن درجة التطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية، والتماهي مع الأرض والشرف والعرض والإتقان والروعة والعمق والدقة والانسجام.

والشباب خير من يرد الاعتبار للإنسان البسيط المكافح، ويوظف الوعي لإلغاء الفواصل والسدود بين بنات وأبناء آدم وحواء، ما يجعلهم أقوى في هذه الحياة السعيدة. فشبابنا اليوم علامة من العلامات المضيئة الاستثنائية النادرة، هناك كثير من الدلالات أن العظماء من الشباب ما نجحوا إلا بالحافل من العمل، ونظرا لما يربطه من صلات حب بالشباب الآخر وشعاره دوما إلى الأمام، وهم يفتحون صدورهم وبيوتهم للقاصدين، وكانوا صلة وصل بينهم وبين العالم يزودون الناس بالمهم من القول والصائب من العمل، ويتداولون على حمل مشعل التعارف بكفاءة واقتدار يرحلون إلى كل مكان من شمال الأرض إلى شرقها وغياهب الغابات الاستوائية، يعيشون كروب الناس وبعمل رائع وشائق، لتكون أرض الله كلها خير وبركة، وعلم شامل نافع، وحضارة معطاء وتطلع إلى غد أفضل.

والشباب اليوم بمنزلة مصباح سحري يحرك قطار البشرية، فتتحرك معه مواكب البشريات لتقدم خير هدية للإنسانية المفجوعة، وبانفتاحنا على العالم ككل، ولكل خطوة في هذه السفرة إلى اكتناه المجهول شيء له حلاوة لا يحسها إلا الممارس النهمان، والتطور رحلة مستمرة وسنة الحياة لسانها يقول: لا يمكن أن نظل منعزلين ومنغلقين على أنفسنا، وفي الوقت نفسه  أنا أعتقد أن كثيرا من العوالم في هذه البسيطة لا تزال مجهولة والشباب هو السفير المؤهل المتنقل منذ خلق الله الإنسان، وقبل أن تكون هناك سفارات، ولقد تعاقبت على هذه السفارات أجيال وأجيال، وسيظل الشباب له مجده وله سلطانه وطموحه، وبهذا الطموح ستدب روح الحياة من جديد في شرايين الإنسانية، وبما يتلاءم مع المناخ الاجتماعي الذي يحبب الإنسان في أخيه الإنسان، لتموت أطياف النعرات والفتن والتشدد، بالفهم المستنير لنصوص الإسلام السمحة، وإعلاء قيم التسامح والتنوع الخلاق.

والانطلاق إلى المستقبل يجعل من الشباب أملا لما هو منتظر بما حباه الله من عقول مستنيرة، وفهم كامل لإدارة دولاب الحياة والحضارة، والالتزام بقضايا الثقافة الإنسانية، بتنوعها وخصبها لتعانق المستجدات الفكرية والإبداعية لإنسان هذه القرية الكونية، وإزاحة الجدران التي تفصل بين الناس والحياة؛ لأن الإنسان هو موضوع الحياة، بل هو الحياة لذة وجمالا، الإنسان الذي لابد أن يصنع جنته على الأرض قبل أن يغادر، في رحلة عمله الطويل، ونموذج ناجح والوصول إلى الهدف، ذلكم لأن الشباب هو الصوت الناشط والفعال الذي يروي حياة الناس، كالسيل الذي يروي الأراضي العطشى، والخروج بالحياة من تناقضات العصر وكروبه.

وإذا بحثت عن الحقل المعرفي الذي يبدد وحشة الظلام ويحيلها إلى نور يمنح الحائرين والتائهين الشعور بالأمان، وينسيهم ما تعرضوا له من عذابات وأخطار، فحامل لواء ذلك شباب يرسم أفقا يتلاءم مع تطلعات الوعي والرشد والارتقاء الاجتماعي الإنساني، بنقلة نوعية هائلة، وبإيقاعات تحض على التمسك بالقيم التي تزكي ناسا قادرين على التجدد ومواكبة التطورات التي من شانها إعلاء دور الأفراد والجماعات، ودخولهما في بوتقة الوعي الإنساني.

والأموال بلا شباب لا تقيم حضارة ولا تصنع علماء وإنما إرادة الشباب وعزيمة الأجيال، وحرية فكر الشباب هي ماء الحياة لكل تجديد وإبداع، ومسك الختام فالشباب قاطرة الحياة لأنه يملك قدرا كبيرا من التسامح مع من يخالفونه الرأي والرؤية والتوجه، أما الأسلاك المتقطعة فآن الأوان أن تحال على التقاعد قبل نقلها إلى غرفة الإنعاش، وليس لأحد أثر كبير في تضييق شقة الخلاف بينه وبين غيره من شباب العالم لنشر سماحة الإسلام في الساحة البشرية، ومكارم الأخلاق بعد أن أضحت الدنيا كيانات جوفاء تحمل في ذاتها بذور فنائها.

والله المستعان