في ظلال السجود
إن سجود الكائنات الكونية كلي لا استثناء فيه، ولم يحصل الاستثناء في سجود الكائنات إلا عند الإنسان، وذلك في آية سورة الحج التي يقول فيها الباري جل وعلا: “اَلم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الاَرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس” [الحج، 18]، إذ إن هذه الكائنات -بسبب التقدير والهداية- تخلق معروفة الوظيفة، طائعة لوحي التسخير الذي معها، فتكون تلك الطاعة سجودها، ويكون التسخر وجهتها في سجودها نحو القبلة النهائية التي هي الله جل جلاله.
وهذا مؤداه -ولغياب حمل الأمانة بالنسبة للكائنات الكونية غير المكلفة- انعدام حيرة البحث عن الوجهة والقبلة في المجال الكوني، بخلاف المجال الإنساني حيث التكليف وأمانة إعمال الوحي والعمل به إراديًّا كدحًا ومكابدة، وحيث الاختيار، مما يترتب عليه أن الإنسان يولد على الفطرة/الدمغة/الصبغة الأصلية والتقويم الأحسن. ولذلك نجد اتباع السبل في المجال الكوني يتم ذللا: “وأوحى ربك إلى النَّحل أن اِتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا” [النحل، 68-69]، بيد أنه في المجال الإنساني يتم مجاهدة “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” [العنكبوت، 69].
وهذه المجاهدة من مقومات القدرة على الاهتداء بالوحي للتعرف على الوجهة والقبلة وتحقيق السجود/الاندراج في موكب الساجدين، مع إمكان التنكب عن هذا الوحي واللجّ في الطغيان/فقدان التوازن. ولذلك فالإنسان مسئول عن مصيره، وعن وجهته؛ لأنه يولد قادرًا على التزكي أو التدسي، ويولد بمقعدين أحدهما في الجنة والآخر في النار.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق