Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

في ذكرى مولد النور (2)

      قال الله العظيم في محكم التنزيل: “قُلْ اِِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [سورة اَل عمران، الآية:31].

      في ذكرى ربيع النور، ومولد سيد الوجود يطيب الحديث عن الحب؛ حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ”، كأنه يقول: صدقوا دعوى محبتكم إياي باتباع حبيبي؛ فإنه لا سبيل إلى الوصول إلى محبتي إلا باتباعه وطاعته، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الباب الأعظم للحب الإلهي؛ فلا يصل إلى هذا الباب، ولا ينال أحد ما عنده إلا بمحبته صلى الله عليه وسلم، ولولا محبته صلى الله عليه وسلم ما صلحت محبة أحد، وكان الجميع أدعياء، وكيف يصح الإيمان أو الاقتداء أو الاتباع دون الحب؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”. وقال أبو حامد الغزالي: “محبة الله يدعيها كل واحد؛ وما أسهل الدعوى، وما أعز المعنى!!”.

      والناس في الحب على مراتب، وأحباء الله هم خاصة الناس وخواصهم، قال تعالى: “وَالذِينَ ءامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ” [سورة البقرة، جزء من الآية 165]، يعني أرسخ وأثبت وأدوم، يعني ثابتين دائمين على الإيمان في السراء والضراء، والرخاء والبلاء، لا يوثرون عليه سواه، وقيل معناه: أن حبهم لله مقدم على كل شيء؛ كما في دعاء داود عليه السلام: “اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد”. فأكمل محبة في مكنونات هذا الوجود ومعانيه أن تحب الله عز وجل: “وَالذِينَ ءامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ” فهذا هو الحب الحقيقي الكامل، وما عداه زيف ووهم. واتباع الرسول الأطهر صلى الله عليه وسلم سبب في محبة الله تعالى لعبده، وسبب في غفران ذنوبه.

      ومن أسباب محبة الله تعالى الكثيرة ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى: “لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه…” وفيه: “من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا” وفي رواية المسند: “والله أعلى وأجل”.

      والله ما جئتكم زائرا إلا وجدت الأرض تطوى لي؛

      ولا ثنيت العزم عن بابكم إلا تعثرت بأذيالي.

      وكان ذو النون يخرج بالليل فيردد نظره في السماء ويردد هذه الأبيات:

      أطلبوا لأنفسكم مثل ما وجدت أنا؛

      قد وجدت لي سكنا ليس في هواه عنا؛

      إن بعدت قربني أو قربت منه دنا.

      ومن علامات محبة العبد لله تعالى: حبه لكتابه؛ كما قال سهل بن عبد الله التستري: “علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة بُغض الدنيا، وعلامة بُغض الدنيا ألاَّ يدَّخر منها إلا زاداً وبُلغة إلى الآخرة”.

      ومن علامات محبة الله أن يكون مشفقا على عباده، رحيما بهم، حريصا على نصيحتهم ومنفعتهم.

      ومن العلامات أن يكون في حبه لله خائفا متضائلا تحت الهيبة والتعظيم؛ فيخاف أن يعرض عنه مولاه، ويحجبه عن معرفته، أو يبعده عن رحمته، وقد قال بعضهم في نظم هذه العلامات وشرحها:

      لا تـخـدعــــــنّ فللـمـحــبّ دلائـــــل      ولديــــه مــن تحف الحبيب وسائــل

      مـنـهـــا تنعّمـــــه بمــــــر بلائـــــــــه      وسروره فـــي كــــل مـــا هو فاعــل

      فالمنــع منـــــه عطيـــــة مقبولـــــة      والفقر إكـــــــرام ولطــــف عاجــــــل

      ومـن الدلائـــل أن تـرى من عزمــــه      طـــوع الحبيـــب وإن ألــــحّ العـــاذل

      ومـــن الدلائــــل أن يرى متبسّمــــاً      والقلب فيــــــه مــن الحبيب بلابــل

      ومن الدلائــــــل أن يـــرى متفهّمــــاً      لـــكــلام من يحظى لديــه السائـل

      ومن الدلائــــل أن يــــرى متقشفـــاً      متحفظــاً من كـــل مــــا هـو قائـــل

      وأضاف إليها يحيى بن معاذ الرازي قوله:

      ومــن الـدلائــــل حزنــــه ونحيـبــــــه      جـــوف الظـــلام فمــــا له من عــاذل

      ومن الدلائـــــل زهـــــده فيمـــا يـرى      مـــــن دار ذل والنـعـيـــــــم الزائــــــل

      ومــــن الدلائــــل أن تـــراه بــاكـيـــــاً      أن قـــد رآه علـــى قـبـيـــح فعائــــــل

      ومــن الـدلائــــل أن تـراه مسلمــــــاً      كــل الأمــــور إلـــى المليـــك العــادل

      ومـــن الدلائــــل أن تـــراه راضيــــــــاً      بمليكـــــــه فــــي كــل حكـم نـــــازل

      ومن الدلائل ضحكـــــه بيـن الــــورى      والقلب محـــــزون كقلــب الثــاكــــــل

      فإذا ارتقى المحب هذه المرتبة رأيت إنسانا ذاهبا عن نفسه، متصلا بذكر ربه، قائما بأداء حقوقه، ناظرا إليه بقلبه، وصفا قربه من كأس وده؛ فإن تكلم فبالله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله…

      وأما ادعاء المحبة مع ارتكاب المخالفة فدعوى كاذبة وتجارة كاسدة، قال سهل:

      “ليس من عمل بالطاعة صار حبيبا، إنما الحبيب من اجتنب النواهي”، وكفى بهذا وحده معيارا لمعرفة الصادق من الكاذب؛ وأنشدوا في ذلك:

      تعصي الإلــــــه وأنت تظهر حبــه      هذا لعمــــري في القياس بديــع

      لو كـــــان حبك صادقـــــا لأطعتـه      إن المحـــب لمـــن يحــب مطيـع

      وكالإجماع من اصطلاحات القوم أن الحب هو الموافقة، وأعظم الموافقات وأشدها بالقلب؛ يعني موافقة المحب بالقلب؛ لأن المحبة تقتضي انتفاء المخالفة؛ فإن المحب دائما مع محبوبه، وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: “إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان لا يقرأ بأصحابه في صلاتهم، -يعني لا يختم- إلا بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله تبارك وتعالى يحبه”.

      وأخرجا أيضا عن أنس بن مالك أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله متى الساعة؟ فقال: ما أعددت لها؟ فقال الأعرابي: ما أعددت لها من كبير أحمد عليه نفسي، [وفي رواية: من كثير من صلاة ولا صوم ولا صدقة] غير أني أحب الله ورسوله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنك مع من أحببت”.

      اللهم اجعلنا من المحبوبين المقبولين عندك، وارزقنا الصدق في محبتنا إياك، وإلى لقاء قريب والسلام.

أرسل تعليق