في التصدي لظاهرة الإدمان
المخدّرات سيدتي ومالكتي، هي تأمر وأنا أنفّذ، هي تنادي وأنا ألبّي..
كذا نطق أحد المدمنين من سكان حي كوينز بنيويورك حين طلب منه وصف حالته وواقعه باعتباره مدمنا..
درك متدنٍّ من التبعية، ذاكم الذي يصل إليه المدمن حين يألف جسدُه ودمه وخلاياه مادّة يعسر عليه بعدُ العيش بدونها، مادّة تولّد حين مداخلتها لكينونة الإنسان أحاسيس بالجرأة أو بالمتعة أو بالانفصال عن واقع مرير تعيس، أو تسبّب مجرد هلوسات، تطوّف بمن يتناول المخدرات في مجاهيل ومسارب غير مألوفة لديه، مما قد يولّد عنده الشعور بالمغامرة والتميّز، فيتعذّر عليه بعد ذلك الانعتاق، غير أن أشواكا كثيرة ومدمية تكون مقارفة لما ظُنّ باقة، مشاكل تتراوح بين الصحي الفيزيولوجي، والنفسي، والعلائقي، والأسري والاجتماعي والاقتصادي، كلها تثور في واقع المدمن مخلفة وراءها الدمار، مجرّدة الإنسان من إرادته، واستقلاله، وحريته، وحتى من كرامته.. فكم من مدمن ومدمنة انتهى بهم المطاف بين براثن الإجرام والدعارة والغدر..
إلا أن السؤال لازم الطرح هنا هو: هل الإدمان سبب أم نتيجة؟ والحاصل أنه الأمران معا، فبين تصريف الكارتيلات الكبرى في منطقة شمال إفريقيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء لما انحبس من بضائعها، بفعل تشديد الرقابة الأوربية والأمريكية، وترويج ما تبقّى مما كان ينتج محليا من قنب هندي، وبين النقص في المواكبة للشباب، على الأصعدة الأسرية، والمدرسية، والعمومية، يجد الإدمان منافذ للاستحكام، وحين يتهاوى سدّ الرقابة الذاتية المكوَّنة من لبنات التشريع والإيمان والإحسان، تغمر الكينونة صنوف من المغريات التي لا يحول دونها بعد ذلك حاجز سوى حاجز الإمكان..
وحين تُجَرَّد أمام شبابنا نماذج تقوم عندهم مقام القدوة لسبب أو لآخر، ويكون من ديدن هذه النماذج تعاطي المخدرات؛ فإن ذاك لا شك سوف يكون له عليهم تأثير وجاذبية مدمّران..
وحين تتشكل البيئة التي تُروَّج فيها أنواع المخدرات عن طريق اقتناص تلميذات وتلاميذ وطلبة وطالبات يصرّفونها بين نظرائهم في الإعداديات والثانويات والجامعات في الحفلات والدوائر الخاصة مع كل ما يرافق ذلك من حيثيات، حين تتشكل هذه البيئة فإن عتبة الالتحاق تصبح يسيرة الاقتحام..
لزم إذن أن تكون استراتيجيات التحصين من هذا الطوفان الجارف متعددة الأبعاد، تستوعب القيمي، والأمني، والتأطيري، والتربوي، والتوعوي، والثقافي، في مقاربة تشمل الوقاية والعلاج وإعادة الإدماج، عبر كل ما يمكن سلوكه من شبكات تنتهي أطرافها إلى المدمنين الشباب وغيرهم، ليتم استقبالهم في مؤسسات مؤهَّلة، تُشْرِف على علاجهم وإعادة إدماجهم بالطرق العلمية والعملية التي تمت بلورتها كونيا بهذا الصدد، مع أخذ خصوصيتنا الدينية والثقافية بعين الاعتبار. كل ذلك بطريقة مندمجة يتظافر فيها التكوين للأطر، والتثقيف بالنظراء، وبناء الكفايات، واقتراح البدائل، وتأمين الحدود، واستبدال البُرّ والذرة، بالقنب والشيرة، مع مواكبة اقتصادية داعمة تخفف من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن هذا الاستبدال، ريثما تستحكم الزراعات النافعة، ويعدل عن تلك الضارّة، في إطار خطة وطنية بيّنة المعالم، جلية البنود، وقابلة للتقويم، خطة تنخرط لبلورتها وتنزيلها كل الجهات المؤهّلة، من مؤسسات رسمية، ومؤسسات المجتمع المدني، وما ذلك على همة أهل بلدنا بعزيز.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق