في الأمن العقدي
“الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اَولئك لهم الاَمن وهم مهتدون” [الاَنعام، 82].
المعتقد هو الهيكل الذي ينشز عليه عضل السلوك، فهو تبع له استقامة أو ما دون ذلك. والمعتقد هو الذي يزوّد الإنسان بالتمثل لنفسه وللحياة والأحياء، يزوده بالرؤية الشمولية للوجود، التي يتفرّع عنها ما يشبه الخرائط الذهنية والوجدانية، والتي بسلامتها ورُشدها، يسلم ويرشُد سلوك الإنسان، “اَفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم” [الملك، 22].
وقد عُني الدرس العقدي، عبر مختلف أطوار تاريخه في هذه الربوع المباركة، بتجلية هذه المعاني، وتعديتها وتقريبها للناس، بأسلوب ميسّر، لا ينفك في أصوله وكلّياته، عن البحث المعمّق الرصين المؤسس على كتاب الله عز وجل، وسنة مصطفاه صلى الله عليه وسلم، وفهوم المجتبين من علماء هذه الأمة الوسط.
ولئن رُصد في بعض محطات تاريخ علم الاعتقاد ببلدنا الكريم، نوع استغراق في المقاربة التردادية الاستظهارية للعقيدة؛ فإن الدافع إلى ذلك كان نبيلا، همّه الأمانة والسلامة، غير أنه سرعان ما كانت تنبري قرائح ومهج لإعادة الأمور إلى نصابها، في إدراك تام لكون علاقة الإنسان بالعقيدة، لا تنحصر في وجوب حرصه على لقاء الله عليها، وإنما تنتسج بالحرص على الضرب في مناكب الأنفس والآفاق، بما ينفع الذات والغير، في الحال والمآل، حسب هدايتها وبصائرها.
وحيث أن لكل منظومة ثقافية/حضارية، رؤية/خارطة للوجود، تؤطر مختلف وجوه نشاطها وكسبها؛ فإن هذه الأمة أيضا لها رؤيتها/ خارطتها للوجود، الكامنة في الكتاب المنظور: الكون، وفي كتابها المسطور: الوحي الخاتم، وكلما رشد الحوار مع هذين الكتابين واستمر، نضجت هذه الرؤية/الخارطة وتبلورت ورشدت، وكلما اقتربت من الصواب، كان الأمن أكثر رسوخا في الأنفس والآفاق، وإذ إن زمننا زمن انفتاح علمي ومعلوماتي؛ فإن عدم الضبط في هذا المجال لآليات التنشئة، والتواصل، والمراجعة، والتدقيق، ردّا إلى أصولنا بهذا الخصوص، يفتح لاشك المجال، أمام أضرب من الاختراق، الذي يكون بعضه وبيلا، قد يطوّح بالأمة جمعاء في مراتع الدمار، ويُعدمها نعمة الأمن العقدي، الذي تتأسس وتنبني عليه كل مستويات الأمن الأخرى، مما يقتضي وجوبا إعطاء هذا البعد المحوري ناجزا حقه ومستحقّه.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق