فقهنا، نحن، والواقع (2/2)
إن التعامل مع المشاكل الثلاث سالفة الذكر في أفق حلها لابد له من مقتضيين منهاجيين:
المقتضى الأول هو المنطلقات التي ينطلق منها الفقيه المسلم؛ أي الباراديغمات Paradigmes والنماذج المعرفية. فينبغي أن يكون من الواضح أن الفقيه المسلم يريد تحقيق مراضاة الله، وتحصيل السعادتين العاجلة والآجلة وكذا العدل والكرامة للجنس البشري، ويريد إشاعة التكامل بين أفراد المجموعة البشرية؛ هذه الأسرة الإنسانية الممتدة؛ لأنه قد سادت في أزمنة معينة نماذج أخرى فيها من الانسحاق أو الانغلاق ما فيها.
وإن من الباراديغمات والنماذج المعرفية التي يحق للمسلمين أن يفخروا بها: النموذج التعارفي المنطلق من قوله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” [الحجرات، 13]. وهو نموذج يسعى بوازعه الإنسان المسلم؛ ذكرا كان أو أنثى، إلى تحقيق التعاون والتكامل بين أفراد الأسرة الإنسانية الممتدة.. إنه نموذج يتجاوز النموذج المعرفي القائم على مجرد التسامح. فالتسامح يستدمج بين طياته أن هذا الآخر في درجة أدنى ولكن أنا أتسامح معه! أو أخطأ وأنا أتسامح معه! بيد أن التعارف فيه الحاجة المتبادلة والاحتياج المتبادل؛ مما يفسح المجال أمام التكميل والإغناء المتبادلين بين العالِمين عوض التنافي والصراع؛
المقتضى المنهاجي الثاني هو تحديد آليات التعاطي مع هذه المشاكل الثلاث، وتبيّن العلاقة الجدلية بين النماذج المعرفية التي تُشكل المنطلقات وبين الآليات المستعمَلة من أجل تحقيق الغايات المستهدَفة أو الأهداف المتغياة، سعيا إلى تحقيق التكامل بين الغايات والآليات. فالآليات، رغم ما قد يتبادر إلى الذهن من أنها محايدة، ليست كذلك. فلا يجوز الوقوف فقط مع شرط الفعالية في الآليات، وإنما وجب أيضا أن يتم التأكد من تماهيها وتناغمها مع المنطلقات، ومع النماذج المعرفية التي تشكل المنطلقات والمبادئ والقيم التي تحملها حضارة مُعيّنة ودين مُعيّن.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق