“فــزاحـم بالـذكـاء لـتفـضـلا”
أربعون سنة مرت على استحداث الشبكة العنكبوتية للاتصال والتي كانت تسمى آنذاك “أربّنت” Arpanet ثم تولّدت عنها بعد ذلك شبكة أنترنت. أربعون سنة كانت خافضة رافعة لمجموعة من الأنساق، والمعايير، والموازين، والمناهج، والأعراف في دنيا الاتصال، والتواصل، والمعرفة، والبحث، والسياسة، والسلطة، والاقتصاد، والفن، وتشكيل الرأي العام، والتسلية، وحتى الإجرام ! كما أن مجموعة من المفاهيم قد أصابها ارتجاج، مثل مفهومي الأغلبية والأقلية وما هي ضوابطها ومحدداتهما، فأصبحت الأغلبية تتحدد بمدى الحضور على الشبكة والفاعلية فيها، والقدرة على بلورة الآراء والمبادرات ذات الأثر التوجيهي للجماهير، والأقلية أضحت تتحدد بالافتقار إلى القدرات سالفة الذكر. كما أن مفهوم الثروة قد أصابه ارتجاج عنيف بسبب التغيرات العميقة التي رفعت شركة Microsoft ولسنوات عديدة إلى تبوّء مقام الصدارة ضمن أغنى مؤسسات العالم، وهي شركة ثروتها لا تتمثل في أرض ولا عقار ولا برّ أو بنّ، وإنما تتمثل في الأنساق الرقمية ومناهج التعامل مع المعطيات، كما أن مفهوم السوق قد تغير بدوره لتنهار جدرانه وحدود المكانية، ليتجاوز بسنوات ضوئية ما كان عليه قبل الأنترنت، حيث نقلت هذه الأخيرة العالم من كُرويّ إلى مسطّح، على حد تعبير توماس ل. فريدمان في كتابه القيم: العالم مسطح The World is flot Thomas L. Fridman وكذا الأمر بالنسبة للقيم والعادات والسلوكات، كلّ ذلك حصل فيه تغيّر جذري وعميق.. ترى ما هي التغيّرات المواكِبة التي حصلت في عقلياتنا؟ وفي خطابنا؟ وفي مناهج عملنا وأدائنا؟ وبالتبع في تكويناتنا؟ ومناهجنا التربوية؟ وإعدادنا للموارد البشرية المكلفة بذلك؟ وللوسائط التربوية والتدريبية التي نعتمدها بهذا الشأن؟
الحاصل أن مراجعات متعددة ومتضافرة، باتت تفرض ذاتها على العقل المسلم وعلى فضائه الحضاري والثقافي، وهي مراجعات فحوية مضمونية أساسا، ترفدها وتدعمها بعد ذلك مراجعات لوجيستيكية تقنية، وقد أزف في هذا الزمن الافتراضي الذي أعطى صوتا لمن لم يكن له صوت، وفرصة لمن لم تكن له فرصة، ومنفذا لمن لم يكن له منفذ، أزف في هذا الزمن التشمير الوقائي والاستباقي، وإلاّ فلتحذر حضارةٌ من أن تلقى إلى وراء، أو تنبذ في العراء، أو أن تُضرّس بأنياب في هذا المعترك، وتوطأ فيه بمنسم، على حين غفلة من أهل ما أبصروا النجوم حتى أفلت، ولا الأبواب حتى انقفلت..
والله المستعان
أرسل تعليق