فاعلية الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.. (2)
ظهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في منتصف القرن العشرين الماضي، وما ميزه عن غيره أنه صدر عن هيئة دولية عامة مثل هيئة الأمم المتحدة، وأعلن ميثاقاً عالمياً من لحظة صدوره عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن توصياته ما يلي:
المادة (1): يولد جميع الناس أحرار متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء.
لا شك أن جميع الناس يولدون أحرار، وان روح الإخاء مطلوبة بينهم، ولكن دليلها الديني لا بد أن يكون واضحاً، وهو أن الناس جميعاً ولدوا من آدم وحواء، وأن الله تعالى خلق آدم واستخلفه في الأرض، وإذ لم تنص الديباجة على موضوع الاستخلاف، فكان عليها أن تنص عليها في المادة الأولى، وان يكون النص على الإخاء بما أنهم أبناء آدم عليه السلام، ولكن الجانب الديني مغيب بصورة متعمدة.
المادة (2): لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز، مثلا من حيث الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر ودون تفرقة بين الرجال والنساء؛
وفضلا عما تقدم لن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء أكان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.
في هذه المادة الثانية من ميثاق حقوق الإنسان العالمي يذكر اسم الدين لأول مرة، وسوف يذكر مراراً، وفي كل مرة يذكر الدين وهو يمثل في ذهن من صاغوا الميثاق قوة ضاغطة باتجاه معاكس لميثاق حقوق الإنسان، أي أنه يمثل عدواً خفياً لحقوق الإنسان، وهذا موقف مشابه لمواقف الفلسفة الغربية العلمانية، مما يؤكد أن الميثاق العلمي لحقوق الإنسان ولد في رحم الفلسفة الغربية، وأحد أركان دينها العلماني الحديث.
المادة (3): لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه؛
المادة (4): لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بسائر أوضاعهما؛
المادة (5): لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا لعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة؛
المادة (6): لكل إنسان أينما وجد الحق أن يعترف بشخصيته القانونية؛
المادة (7): كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أي تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا؛
المادة (8): لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحه إياها القانون؛
المادة (9): لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا؛
المادة (10): لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا سواء أكان ذلك للفصل في حقوقه أو التزاماته أو الاتهامات الجنائية الموجهة إليه؛
المادة (11):
1. كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه؛
2. لا يدان أي شخص من جراء أعمال أو امتناع عن أعمال إلا إذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة اشد من تلك التي كان يجب توقيعها وقت ارتكاب الجريمة؛
المادة (12): لا يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لهجمات تتناول شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الهجمات؛
المادة (13):
1 ـ لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة؛
2ـ يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه؛
المادة (14):
1. لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هربا من الاضطهاد؛
2. لا ينتفع بهذا الحق في المحاكمات المستندة إلى جرائم غير سياسية أو أعمال مخالفة لأغراض ومبادئ الأمم المتحدة؛
المادة (15):
1ـ لكل فرد حق التمتع بجنسية ما؛
2ـ لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو إنكارا حقه في تغييرها؛
المادة (16):
1. للرجل والمرأة متى بلغ سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الجنسية أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.
في هذه المادة يذكر اسم الدين للمرة الثانية بالصفة السلبية، التي تمنع أو قد تمنع حرية الزواج بسبب اختلاف الدين، وفي ذلك يتجاوز الميثاق العالمي لحقوق الإنسان حقيقة حقوق الإنسان، فإذا كانت الدين وبالذات الدين الإسلامي، منع وبنص إلهي حرمة زواج المرأة المسلمة المؤمنة بغير المسلم؛ فإن ذلك لا ينظر إليه على انه ضد حقوق الإنسان، بل لا بد من دراسة كيف يحقق ذلك حقوق الإنسان فعلاً، وكيف يحقق للجميع السلامة والاطمئنان، أفراداً وأسرة ومجتمعاً، وليس حقاً فردياً مندفعا وراء شهوة آنية، فالحقوق غير محصورة في لحظة الزواج، بل ما يترتب على هذه اللحظة من إضاعة للحقوق[1].
2. لا يبرم عقد الزواج إلا برضاء الطرفين الراغبين في الزواج رضاء كاملا لا إكراه فيه؛
3. الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة؛
المادة (17):
1ـ لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره؛
2. لا يجوز تجريد احد من ملكه تعسفا؛
المادة (18): لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان سراً أو مع الجماعة؛
هنا يذكر اسم الدين للمرة الثالثة، ولا نقول بصفة سلبية ولكنها غير إيجابية أيضاً، بل بصفة حيادية، ولكنه في خلاصته وصف سلبي؛ لأنه يساوى بين الدين الحق وما يوصف عند البشر بأنه دين، وهو عقائد بشرية مفسرة للدين أو محرفة له، فذكر حرية الدين في هذه المادة، ليكون للإنسان حرية تغيير الدين ولو كان حقاً، فإذا كان ذلك كذلك؛ فإن تغيير الدين في هذه الحالة لا يحقق للإنسان حقوقه، بل يبعده عنها، فأي حق في مفارقة الحق، ولكن الموقف العلماني في الفلسفة الليبرالية يريد أن يجعل من الدين حقاً فردياً لا علاقة له بالحياة العامة، وهذا الموقف بحد ذاته ردة فعل عن الدور السلبي للدين الكنسي في العصور الوسطى في أوروبا أولاً، ويحرم الإنسان من وجود جهة تحميه إذا استهدف في دينه.
المادة (19): لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار دون تقييد بالحدود الجغرافية وبأية وسيلة كانت؛
المادة (20):
1. لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية؛
2. لا يجوز إرغام احد على الانضمام إلى جمعية ما؛
المادة (21):
1. لكل شخص الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا؛
2. لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد؛
3. إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت؛
المادة (22): لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع، الحق في الضمانة الاجتماعية القائمة على أساس انتفاعه بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته ونمو شخصيته نموا حرا بفضل المجهود القومي والتعاون الدولي، وذلك وفقا لنظم وموارد كل دولة؛
المادة (23):
1ـ لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة؛
2ـ لكل فرد دون أي تمييز الحق في اجر متساو للعمل؛
3ـ لكل فرد يقوم بعمل الحق في اجر عادل مرض يكفل له ولعائلته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية؛
4ـ لكل شخص الحق في أن ينشئ أو ينضم إلى النقابات حماية لمصالحه؛
المادة (24): لكل شخص الحق في الراحة وفي أوقات الفراغ، ولا سيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر؛
المادة (25):
1. لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة. وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته؛
2. للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية، سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية؛
الغاية من هذه المادة صحيحة وهي حفظ ورعاية الطفل حتى لو ولد من رباط غير شرعي، فلا يتحمل الطفل مسؤولية فعل والديه ولو كانوا زناة، ولكن طريقة صياغة هذه المادة غير موفقة، فالأصل التفريق بين العلاقة الزوجية الشرعية وغيرها، فيصاغ القانون للأصل، ويعالج ما هو خلاف الأصل في فقرة مستقلة، أو بند منفصل، حتى لا يشرع لغير الحق بقانون يحمي الحقوق.
المادة: (26):
1. لكل شخص الحق في التعلم ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان. وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم الفني والمهني وان ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة؛
2. يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا، والى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية والى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام؛
يذكر اسم الدين في هذه المادة للمرة الخامسة في سياق الجماعات التي تنتهك الحقوق مثل الجماعات العنصرية أو الدينية، أي أن ورود اسم الدين هنا ورود سلبي، والسبب هي الخلفية الفلسفية عند من صاغوا هذا الميثاق..
يتبع في العدد المقبل..
————————————–
1. ندوات علمية في الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف والمجلس الأوروبي في ستراسبورغ حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، مصدر سابق، ص: 36.
أرسل تعليق