“فألف بين قلوبكم”
لقد أرسى نبي الختم سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، دعائم المعمار الاجتماعي الصالح، عن طريق إخراج “الأمة القطب” القابلة للتوسع حتى تشمل البشرية جمعاء، لأنها لا تنفي تجربة ولا حكمة ولا عنصراً، إذ تُحدث عن طريق التعارف التكامل نحو الصلاح في نظام تشريعي حِكَمي مقاصدي معتبر للمآلات بديع. تكامل بين الطاقات والتجارب وضروب الحكمة وأصناف القوة ومجالات العلم، وكذا بين الوجهات: “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً” [سورة اَل عمران، جزء من الآية: 103] وقد تم النص في هذه الآية على قبلة الناس، باعتبارها رمزاً للقطب الذي سيتحدون بالتفافهم حوله، إذ قال سبحانه مباشرة قبلها: “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين” [سورة اَل عمران، الآية: 96].
إن محمداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد أخرجها أمة كالجسد الذي تتكامل خلاياه، وتتعاضد وظائفه، فلا عوج ولا أمت ولا فطور، أمةً –وكما قدمنا– تتكامل فيها التجارب وأنواع الحكمة وأصناف القوة، كل شيء بمقدار، ينتظم ذاك كله إمامة ترمز إلى تبوء موقع أقرب إلى القبلة بما تستدرجه بين جنبيها من استبصار بالبصائر والآيات.. بالهدى.. وبما تتوافر عليه من قدرة على التلاوة والسير في الناس وبهم على صراط مستقيم، تحقيقاً للصلاح المورث للأرض حتماًَ “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الاَرض يرثها عبادي الصالحون” [سورة الاَنبياء، الآية: 105]. يتبين إذن أن الصلاح “مهارة” –أكثر شيء– في إضافة الوجهة/البر إلى العمل/ الحركة نحو القبلة تكاملاً مع الآخرين الذين ينتظمهم همّ الاتباع للهدى وهمّ الإصلاح “اِلا تفعلوه تكن فتنة في الاَرض وفساد كبير” [سورة الاَنفال، الآية: 73]، مهارة تقوم أساساً على نقاء الفطرة التي تضمن المواءمة مع الكون والكتاب “فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” [سورة الروم، الآية: 30]، كما تقوم هذه المهارة على القراءة فيهما واتباع الآيات استعمالاً للقدرة على “التسمية” والإبصار، ترتيلاً ونماء.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق