عن وظيفية الاعتقاد
إن التشريع في الدين الإسلامي، مبني –كما لا يخفى- على الاعتقادات، وهذا سبب كون سمة القرآن المكي الغالبة، هي بناء العقيدة، وجدانيا، وعقليا، تمهيدا للتشريع، الذي كان هو سمة القرآن المدني الأبرز.. فموضوع القرآن المكي الأساس هو حقيقة الألوهية، وحقيقة العبودية، وحقيقة العلاقات بينهما، وتعريف الناس بربهم الحق، الذي ينبغي لهم أن يدينوا له، ويعبدوه، ويتبعوا أمره، وشرعه، كما كان من مواضيع القرآن المكي تنحية ما ادخل على العقيدة الفطرية الصحيحة، من غَبش، ودخَن، وانحراف، والتواء، وردّ الناس إلى إلههم الحق، الذي يستحق الدينونة لربوبيته.
وقد كان التركيز في القرآن المكي على العقيدة؛ لأنها القضية الكبرى الأساسية في دين الإسلام، فالتوطين لهذا البعد هو الذي يمكّن من الاكتمال والتناسق بين الظاهر في عالم المعاملات، والكامن في عالم الاعتقادات، والقناعات، والتصورات.
وقد سجل تاريخنا أنه كلما تم الذهول عن أهمية ضبط هذا البعد العقدي وفق مقاصد الاعتقاد السمحة المُجلاّة في الكتاب والسنة، إلا ورافقت ذلك اضطرابات في واقعنا لأسباب متعددة ناتجة عن هذا الذهول، ومن ذلك فشل كثير من مشاريع النماء في بلداننا بسبب عدم العلم بطبيعة مجتمعاتنا، وتوهم أن عدم الانخراط فيها، راجع إلى مجرد التجنب الفطري للكد، وبذل الجهد، والتعرض للخطر، بيد أن عدم الانخراط في هذه المشاريع راجع في جزء منه إلى تسرب معتقدات سلبية كالتواكل، إلى عقلنا الجمعي، وهي معتقدات لا يمكن رفعها إلا باعتماد عمليات تصحيحية تمتح من الأصول الاعتقادية في الكتاب والسنة، وتعتمد الفهم الذي جرى عليه إجماع علمائنا.
ولهذا السبب، بقيت كثير من المشاريع النهضوية المطروحة عالقة، وأصيبت الأمة ببعض الخمول، من جرّاء لا مبالاة، وعدم اكتراث الشعوب بها، بسبب الإصابات الاعتقادية المذكورة آنفا، مما ضيّع جهودا، وهدر مقدراتٍ الأمة اليوم في أمس الحاجة إليها، وهو وضع لا سبيل إلى تصحيحه إلا بتلافي أسبابه.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق