عن بلاغة القرءان المجيد
إن الحديث عن بلاغة القرآن المجيد، هو حديث ينتمي إلى باب عزيز على كثير من علمائنا، ولاسيما أولئكم منهم الشغوفين بفنون القول، حيث إن النظر في القرآن المجيد من هذه الزاوية، الزاوية البلاغية، فيه شجون، ولاشك أن الذي يقرأ القرآن المجيد من مدخل الجرْس، أو من مدخل الفواصل، أو من مدخل الاختصار، أو من مدخل الالتفات، أو من أي مبحث بلاغي، أو بديعي أراد أن يدخل منه، سوف يقضي العجب كيف أن الحرف يُرتّب، والكلمة تُرتّب، والجملة ترتّب، والمعنى يرتّب، والسورة تُرتّب، في نسقية معجزة، تُزري بجمالية الماس الأصفى؛ لأن الأنوار التي تبثها هذه المفردات بحروفها، وبفواصلها لا يمكن أن يحيط بها وصف واصف أبدا، فإرادة الإنسان، وقدرة الإنسان، حين تقترن بالطين، وتريد نحته، وتريد أن تجعل منه شيئا يذكر؛ فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه أن تصيّر هذا الطين تمثالا، لكن حين تقترن إرادة الله عز وجل بالطين فإنها تصيّره أنت، تصيّره إنسانا ينظر إليك ويقول لك، ويعارضك، ويوافقك، وينصحك، وقد يثور في وجهك؛ إذا لم ترد أن تنتفع بهذا النصح، إنسانا مبدعا له قوله، وله توقيعه، وله إحساسه، وكذلك حين تقترن إرادة الإنسان بالكلمة والحرف، تصيرهما شعرا، ونثرا، بيد أن إرادة الله عز وجل حين اقترنت بالكلمة وبالحرف فإنها صيّرتهما قرآنا، وإن المقارنة بين الإنسان، والقرآن لهي دون حق القرآن المجيد، الذي قد قدَّر له قائله اللبث بين ظهراني الخلق والعباد إلى أن يأذن بغير ذلك لقوله تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون” [سورة الحجر، الآية: 9]. أما إن نحن نظرنا من هذه الزاوية إلى الخرائط، وإلى المعاني المَخمَلية، التي يمكن استعراضها بالنظر إلى القرآن المجيد فإننا لن نفرغ من قريب.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق